من عنصرين: عنصر اسميّ وهو الطبيعة، وعنصر حرفيّ وهو النسبة الزجريّة الثابتة بين الزاجر والمنزجر والطبيعة. وكذلك في نفس صيغة النهي يوجد عنصران يقابل كلّ منها واحداً من عنصري المدلول، وهما المادّة والهيئة، فالمادّة تدلّ على المعنى الاسميّ وهي الطبيعة، والهيئة تدلّ على المعنى الحرفيّ وهي النسبة الزجريّة.
أمّا لو فرضنا أنّ النهي يدلّ على طلب ترك الطبيعة، فإضافةً إلى عنصر الطبيعة التي تدلّ عليها المادّة، وعنصر النسبة الطلبيّة التي تدلّ عليها الهيئة يوجد عنصرٌ ثالث وهو الترك، وهو بحاجة إلى دالّ:
فإن فُرض الدالّ عليه أمراً ثالثاً غير المادّة والهيئة، فلا يوجد لدينا أمر ثالث غيرهما. وإن فُرض الدالّ عليه المادّة، فإن كان المفروض دلالة المادّة على الترك من باب الاستعمال، فمن أوضح الواضحات أنّ مادّة الصلاة في (لا تصلّ) مثلا لا تستعمل في ترك الصلاة. وإن كان المفروض دلالتها على الترك من باب الفناء والمرآتيّة، فأيضاً من الواضح أنّ الطبيعة إنّما تفنى في أفرادها الوجوديّة لا في عدمها.
وإن فُرض الدالّ عليه الهيئة كان معنى ذلك أنّ الهيئة تدلّ على معنى حرفيّ، وهي النسبة الطلبيّة مع طرفها الاسميّ وهو الترك، وهذا ممّا لا يُعهد في الحروف والهيئات.
أضف إلى ذلك: أنّ الترك منسوب ـ بنسبة ناقصة ـ إلى الطبيعة، وهذه النسبة الناقصة أيضاً بحاجة إلى دالّ عليها، إلاّ أن يقال: إنّ نفس تلك الهيئة دالّة عليها، وهذا يعني أنّ تلك الهيئة قد دلّت على نسبتين مع معنى اسميّ كان طرفاً لإحداهما، وهذا غريب في أوضاع الحروف والهيئات.
ومنها: أنّه قد ينهى عن الترك فيقال: (لا تترك)، فلو كان مفاد النهي عبارة عن طلب ترك الطبيعة لكان معنى (لا تترك): اترك الترك، في حين أنّنا لا نحسّ عرفاً