الأمر أنّه هو يختار بسوء اختياره الفرد المتوقّف على الحرام.
وذكر السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ في المقام: أنّ هذا الكلام غير صحيح قائلا: إنّ الوجدان الشرعيّ ليس في دخله بأشدّ من الوجدان التكوينيّ، وكما أنّه في القدرة التكوينيّة لا يلزم ثبوت القدرة التامّة من أوّل الأمر، بل تكفي القدرة التدريجيّة، كما لو كان عنده ثلج لا يمكنه تذويبه دفعة واحدة، فينتظر إلى أن يذوب منه مقدار، فيغسل به وجهه، ثمّ يغترف مقداراً آخر يذوب منه، فيغسل به يده اليمنى، وهكذا.
كذلك في المقام، يكفي حصول القدرة الشرعيّة بالتدريج، فإنّه حينما يغترف غرفة من الماء يصبح قادراً شرعاً على التصرّف في هذا الماء بغسل وجهه، وإن فعل حراماً بالاغتراف. ثمّ باغترافه الغرفة الثانية يصبح قادراً شرعاً على غسل يده اليمنى... وهكذا، وهذا كاف في كون الوضوء مأموراً به وصحيحاً(1).
أقول: إنّ حقيقة المطلب ما قلناه: من التفصيل بينما لو كانت القدرة الشرعيّة ـ المفروض دخلها في الحكم ـ بمعنى عدم الانشغال بالمزاحم، أو بمعنى عدم المانع شرعاً، فإذا كان بالمعنى الأوّل صحّ الوضوء، أمّا إذا كان بالمعنى الثاني لم يصحّ الوضوء، ولا يمكن قياس هذه القدرة الشرعيّة بالقدرة التكوينيّة.
وتوضيح ذلك: أنّ القدرة التكوينيّة حينما تكون دخيلة في الحكم بمجرّد حكم العقل، فالعقل لا يحكم بأكثر من اشتراط القدرة على كلّ جزء من العمل حينه؛ فإنّ مدرك ذلك هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز مثلا، ومن الواضح عدم القبح حينما تحصل القدرة التدريجيّة على الأجزاء وفق ترتيب الأجزاء.
وحينما يُفرض أخذها في لسان الدليل لم يُفهم من ذلك أيضاً اشتراط أكثر من
(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 3، ص 189 ـ 194.