هذه هي الأقسام الخمسة للتزاحم التي ذكرها المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، وقبل أن نشرع في تفصيل الكلام في الموارد التي يقول المحقّق النائينيّ(رحمه الله) فيها بعدم إمكان الترتّب نذكر ملاحظتين حول ما ذكره من أقسام التزاحم:
الملاحظة الاُولى: ملاحظة عامّة ترجع إلى كلّ هذه الأقسام الخمسة، وهي: أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله)قد قيّد كلّ واحد من هذه الأقسام الخمسة ـ تصريحاً أو تلويحاً ـ بأن يكون التزاحم اتّفاقيّاً، فمثلا يقيّد التزاحم الناشئ من عجز المكلّف عن الجمع بكون العجز اتّفاقيّاً، والناشئ من تضادّ المتعلّقين بكون التضادّ اتفاقيّاً، والناشئ من التلازم بين الواجب والحرام بكون التلازم اتّفاقيّاً... وهكذا، بنكتة: أنّه لو كان التزاحم دائميّاً رجع إلى التعارض.
وتحقيق الكلام في ذلك: أنّه إذا كان التزاحم دائميّاً:
فإن كان الواجبان ضدّين لا ثالث لهما فمن الواضح وقوع التعارض بين ذات الحكمين؛ إذ لا يُعقل ثبوتهما، لا مطلقاً ولا مشروطاً: أمّا مطلقاً، فواضح؛ إذ يؤدّي إلى طلب الجمع بين الضدّين. وأمّا مشروطاً؛ فلأنّ الأمر بأحدهما مشروطاً بترك الآخر لا مجال له؛ إذ مع ترك الآخر يكون هذا ضروريّاً، فلا معنى للأمر به.
وأمّا إذا كانا ضدّين لهما ثالث، فلا ينبغي الإشكال في أنّه لا يوجد تعارض بين ذات الحكمين بغضّ النظر عن إطلاقهما؛ إذ من المعقول الأمر بكلّ واحد منهما مشروطاً بترك الآخر؛ إذ ترك أحدهما ليس مساوقاً للإتيان بالآخر، فيُعقل الأمر به، فيقع الكلام في أنّه هل يقع تعارضٌ بين إطلاقهما أو لا؟
فقد يقال: إنّه لا يوجد بينهما تعارض حتّى بلحاظ الإطلاق؛ وذلك لأنّ كلّ واحد منهما مقيّد لا محالة بالمقيّد اللبّيّ، وهو عدم الانشغال بالمساوي أو الأهمّ، فلا يتحقّق في كلٍّ منهما إطلاق لصورة الانشغال بالآخر حتّى يلزم التعارض. وهذا المقيّد اللبّيّ هو الذي أثبتنا على أساسه عدم دخول باب التزاحم في باب التعارض.