المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثالث

155

يُستظهر منه المعنى الأوّل الذي عرفت عدم تأثيره في هذا الترجيح. وقد يُستظهر منه المعنى الثاني أو الثالث بحسب اختلاف الألفاظ، فمثلا قد يقول: (افعل هذا لو قدرت)، وقد يقول: (افعله لو لم تنشغل بمانع)، وقد يقول: (افعله لو لم يكن مانع). فقد يُستظهر من الأوّل الأوّل، ومن الثاني الثاني، ومن الثالث الثالث.

فمتى ما استظهر من دليل الحكم ـ الذي اُخذ في لسانه القدرة ـ إنّها القدرة الشرعيّة بالمعنى الثالث، فمقتضى الأصل أن يتقدّم عليه الحكم المزاحم الذي لم تؤخذ القدرة في لسان دليله، بلا حاجة في التقديم إلى قرائن خاصّة؛ وذلك لأنّنا وإن قلنا: إنّ عدم أخذ القدرة في لسان الدليل لا يدلّ على كون القدرة عقليّة وعدم كونها شرعيّة، لكنّه يدلّ بالإطلاق على نفي خصوص المعنى الثالث، وهو دخل عدم توجّه خطاب بالمزاحم في الملاك، فإنّ مقتضى إطلاق الحكم هو ثبوته حتّى مع توجّه خطاب بالمزاحم إليه لو لم يمتثله.

وحينما يكون ظاهر اللفظ الدالّ على القدرة المأخوذة في لسان الدليل هي القدرة بالمعنى الثالث، ثبت دخل القدرة في الملاك بلا حاجة إلى الوجوه الثلاثة التي ذكرناها لإثبات ذلك. والنكتة في ذلك هي: أنّ دخل القدرة بذلك المعنى في الخطاب ليس عقليّاً، فإذا اُخذت القدرة بذلك المعنى قيداً في الخطاب دلّ ذلك لا محالة على دخلها في الملاك. هذا.

وحاصل الكلام في كيفيّة استظهار كون القدرة عقليّة أو شرعيّة: أنّه إن اُخذت في أحد الدليلين القدرة بالمعنى الثالث في الموضوع، فهذا دليل على كون القدرة شرعيّة؛ لأنّ القدرة بالمعنى الثالث غير دخيلة بحكم العقل، فدخلها شرعاً لا يكون إلاّ بدخلها في الملاك، وعدم أخذها في دليل الآخر دليل على عدم اشتراطه بالقدرة الشرعيّة بهذا المعنى؛ لأنّ إطلاق الخطاب ينفي هذا القيد؛ لعدم كونه قيداً عقليّاً.