المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (2)

4

الثاني ـ مقدّمة التوبة:

قد يقال: إنّ مقدّمة التوبة هي اليقظة؛ وذلك أنّ الإنسان بفطرته السليمة مجبول على التوحيد وعلى آثار التوحيد التي لا تكون إلّا الخير والصلاح، وكلّ ذنب صدر عن العبد كان غباراً على تلك الفطرة وإخماداً لنورها ورَيْناً عليها، ولاتحصل التوبة إلّا بالتيقّظ والرجوع إلى الاهتداء بنور الفطرة ومسح الغبار.

والشاهد القرآني على كون التوحيد بجميع ما له من أغصان الخير وأوراقه وثماره أمراً فطرياً للبشر وأنّ مخالفة ذلك مخالفة للفطرة عدّة آيات من قبيل قوله تعالى:

1 ـ ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾(1).

2 ـ ﴿فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم. صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون﴾(2).

3 ـ ﴿وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انّا كنّا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرّيّة من بعدهم أفتُهلكنا بما فعل المبطلون﴾(3).

سواءٌ فسّرنا هذه الآية ابتداءً بمسألة الفطرة أو فسّرناها بعالم الذر فإنها على الثاني ـ أيضاً ـ تدلّ على أنّ التوحيد صار بسبب ما جرى في عالم الذرّ فطريّاً، وإلا فما قيمة عهد نسيه المتعهّد، وكيف يُحتجّ به عليه؟!

وقد ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه و آله): «كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه»(4).

فكلّ انحراف عن هذه الفطرة بالذنب لا يمكن أن يتوب العبد منه قبل تيقّظه ورجوعه ولو بمقدار ناقص إلى تلك الفطرة، وهذا ما قد نسمّيه باليقظة.


(1) السورة 30، الروم، الآية: 30.
(2) السورة 2، البقرة، الآيتان: 137 ـ 138.
(3) السورة 7، الأعراف، الآيتان: 172 ـ 173.
(4) البحار. / 281.