فقالوا له: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه(1) فإنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه، فامهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم، إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وموادّه وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفتُ لكم من حاله.
قالوا: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كُفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة(2) يحيى بن أكثم ـ وهو يومئذ قاضي الزمان ـ على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن
(1) الهدي: السيرة والهيئة والطريقة.
(2) أي: أن يطلبوا من يحيى بن أكثم أن يسأل الإمام الجواد(عليه السلام) مسألة لا يعرف الجواب فيها.