وأمّا إذا أخبر الغائب القادر على الحضور بالأمر، وطلب منه الحضور، ولكنّه تعمّد عدم الحضور، فتارةً يفترض أنّ المقاييس فعلاً تامّة للحكم ضدّه وإن احتمل أنّه لو حضر لأدلى بحجّة تؤثر في تبديل المقاييس بأن يقيم معه بيّنة مثلاً، وأُخرى يفترض عدم تماميّة ذلك:
فإن فرضت تماميّة المقاييس للحكم عليه جاز للقاضي الحكم عليه غيابياً، إذ لو لم يكن في الأدلّة إطلاق لفظي كفانا عدم احتمال الفرق عرفاً بين أن يحضر ولا يُدلي بحجّة أو أن يتعمّد الغياب. ولا مورد هنا لقاعدة الغائب على حجّته.
وإن فرضت عدم تماميّة المقاييس للحكم عليه، كما لو كان عليه اليمين ولم يكن يعدّ غيابه نكولاً، فلم يمكن للقاضي الحكم عليه غيابياً، كما لم يمكنه الحكم له ضدّ الحاضر، فللقاضي هنا جلبه قهراً؛ لأنّ هذا هو المفهوم من دليل ثبوت منصب القضاء له.
بقي الكلام في فرع واحد: وهو ما إذا لم يحضر الخصم، ولكنّه أرسل وكيلاً عنه، فهل يغني حضور وكيله عن حضوره، أو لا؟
والجواب: أنّه لو كان عمل الوكيل هو الحلف بدلاً عنه فمن الواضح أنّ هذا لا يجوز، ولو كان عمله مجرّد الإخبار عن حال الغائب من كونه ناكلاً مثلاً فقبول كلامه يتوقّف على قبول خبر الواحد في الموضوعات، أو كون المخبر بيّنةً عادلةً، أو اعتراف الخصم مسبقاً للقاضي بأنّ ما يخبرك به هذا الوكيل عنّي فهو مُمضىً علي، بناءً على أنّ إخبار المخبر في مثل هذا الفرض حجّة في المرتكز العقلائي. وأمّا إذا كان الوكيل عمله تهيئة المقدّمات وتوضيح الأمور والإرشاد مع حضور الموكلّ عند ضرورة حضوره، فهذا لا بحث فيه.
هذا تمام الكلام في الحكم على الغائب.