المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

542

والمقصود بالتصرف القانوني ما يؤثّر بواسطة الإرادة أثراً قانونيّاً كعقد البيع، والمقصود بالوقائع القانونية ما يؤثّر أثراً قانونيّاً بلا توسيط الإرادة، والتصرّف القانوني ينقسم إلى المدني والتجاري: فالتجاري ما يكون بروح المتاجرة، والمدني غيره، وقد يكون تصرف واحد بلحاظ أحد المتعاقدين تجاريّاً وبلحاظ المتعاقد الآخر مدنيّاً، كما لو باع التاجر سلعته للمستهلك، فهو بلحاظ البائع تصرف تجاري وبلحاظ المستهلك تصرف مدني، وكما لو باع المزارع جزءاً من محصوله للتاجر، فهو بلحاظ البائع مدني وبلحاظ المشتري تجاري.

وعندئذٍ فنفوذ البيّنة لصالح التاجر غير محدود، ونفوذها لصالح الطرف الآخر محدود. وقد مضى منّا في أوّل بحثنا عن طرق الإثبات تعليل هذا التحديد في التصرف القانوني المدني وعدم التحديد في غيره ببعض النكات نقلاً عن الدكتور عبد الرزاق السنهوري، فراجع.

والثانية _ أنّ البيّنة في مورد نفوذها _ سواء كان نفوذها لأجل كون القيمة لا تزيد على المبلغ المحدَّد، أو لكون نفوذها غير مشروط بمبلغ محدَّد، كما في الواقعة القانونيّة أو التصرُّف القانوني التجاري _ يُترك أمر الاقتناع بها وعدمه إلى القاضي، فهو الذي يقدّر قيمة البيّنة وأنّها مُقنعة أو غير مُقنعة.

كلّ هذه التحفّظات تجاه البيّنة _ وجعلُ الأولويّة في الإثبات للكتابة _ نشأت من دقّة الكتابة وضبطها وقوّتها، وضعف البيّنة واحتمال الخيانة أو الخطأ فيها. ويُعتقَد أنّ الصدارة في الإثبات إنمّا كانت قديماً للبيّنة باعتبار انتشار الأُمّية وعدم تعارف الكتابة، فإذا ما انتشرت الكتابة وسهلت على الناس تقلّصت قيمة البيّنة.

وبلحاظ التحفُّظ الأول جاء في الوسيط ما خلاصته: أنّه أوجب في القانون الفرنسي في سنة (1566) تدوين المعاملات التي تزيد قيمتها على مائة جنيه فرنسي؛