المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

437

ولو لم يقمها جاز للمنكر أن يكتفي باليمين، فيُقال: هذا هو المقدار الذي يفهم ممّا ورد من أنّ «البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر»، فهذه القاعدة ليس معناها عدم قبول البيّنة من المنكر، وإنّما معناها التسهيل على المنكر بالاكتفاء بيمينه إذا أراد، وذلك بنكتة مطابقة كلامه للأصل. أمّا إذا أقام البيّنة _ بعد فرض عدم إقامة المدّعي للبيّنة ووصول النوبة إليه _ فلا بأس بذلك، ولا يطالَب عندئذٍ باليمين.

والثاني _ أن يقال: إنّ قاعدة أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر كما لم تدل على رفض البيّنة من المنكر كذلك لم تدل على تقديم بيّنة المدّعي على المنكر، فهما متساويتان في القيمة، وإنّما الفرق بين المدّعي والمنكر أنّ المدّعي هو الذي يطالَب بالبيّنة، وأمّا المنكر فله الاكتفاء بالحلف أو بالبيّنة لو لم يقم المدّعي البيّنة، أمّا لو أقام كلاهما البيّنة بالتساوي: فإمّا أن يحكم للمنكر لمطابقة كلامه للأصل، أو يحلّف المنكر، ثم يحكم له بعد حلفه. ونلحق بهذا الاحتمال احتمال كون بيّنة المنكر حجّة ذاتية لا قضائية، فالمنكر _ على أيّ حال _ بحاجة إلى اليمين، وإنّما فائدة بيّنته هي إسقاط بيّنة المدّعي بالتعارض. وعلى أيّ حال فيشهد للأوّل _ أعني كون الحكم للمنكر _ ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للّذي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين»(1). ويشهد للثاني _ أعني تقييد الحكم عند تعارض البيّنتين بحلف المنكر _ ما عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده، فأحلفهما علي (عليه السلام)، فحلف أحدهما، وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها


(1) وسائل الشيعة، ج18، ص182، الباب 12 من كيفية الحكم، ح3.