المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

425

للتهمة، وهذا إنّما يفرض في حقّ الفرد لا في حقّ من لا يوجد بشأنه مدّعٍ خاصّ من حقوق اللّه أو الحقوق العامّة ممّا تثار بمبادرة الناس لا بمبادرة المدعي.

وإمّا أن يُقال: بأنّ عدم نفوذ شهادة المتبرّع قبل طلب المدّعي في الحقوق الفرديّة يكون بنكتة أنّ البيّنة حقّ للمدّعي، وليس للحاكم فرض الحكم وفق البيّنة من دون إذن ذي الحقّ ما دام الحقّ ليس من حقوق اللّه أو الحقوق العامّة التي يكون لولي الأمر حقّ التدخّل فيها ابتداءً، ومن هنا يصبح التفصيل بين حقوق الناس الفرديّة وحقوق اللّه أو الحقوق العامّة أيضاً أمراً معقولاً؛ حيث لا يوجد في الثاني مدّعٍ يكون له الحقّ في طلب الحقّ بالبيّنة ورفضه بخلاف الأول.

وبه يتّضح الحال أيضاً في الحقوق المشتركة بين اللّه تعالى والآدمي، فإن كان اشتراك الحقّ بمعنى أنّ قسماً منه لله وقسماً منه للآدمي _ كما قد يقال في السرقة من أنّ القطع لله والضمان للآدمي _ فما للآدمي يتوقّف على إذن المدّعي؛ لأنّه حقّه، وما للّه تنفذ فيه الشهادة التبرّعيّة. وإن كان اشتراك الحقّ بمعنى أنّ شيئاً واحداً هو حقّ للّه وللآدمي كما لو قلنا: إنّ القطع في السرقة والحدّ في القذف كلّ منهما حقّ للّه وللآدمي، فالشهادة التبرّعيّة تنفذ فيه؛ لأنّ عدم إذن المدّعي إنّما يُسقط حقّه في الحكم ولا يُسقط حقّ اللّه.

هذا فيما إذا كان المدرك لعدم نفوذ شهادة المتبرّع عبارة عن أنّ الحاكم لا يحقّ له فرض الحكم من دون طلب المدّعي للحكم وفق البيّنة؛ لأنّ ذلك حقّ له، أمّا إذا كان المدرك هو التهمة فهي موجودة في الحقّ المشترك.

والآن فلنقطع النظر عن أنّ مقصود الأصحاب من التبرّع هل هو عدم طلب الحاكم، أو عدم طلب ذي الحقّ؟ لنبحث أصل الموضوع، وهو أنّ الشهادة هل تنفذ ابتداءً بلا طلب، أو أنّ نفوذها مشروط بطلب ذي الحقّ، أو بطلب الحاكم في