المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

34

إلا عن ثقة هو الشهادة بأنّ الأصحاب كانوا يعتقدون بأنّ ظاهر حال هؤلاء _ لو لم يكن تصريح منهم _ كان بنحو يورث نقلهم عن أحدٍ الاطمئنان للإنسان المتعارف المطّلع على حالهم بأنّه ثقة عند الناقل، وهذا كافٍ في ثبوت وثاقته عندنا؛ لأنّه إخبار من قبل الشيخ الثقة عن الأصحاب الثقات إمّا بوثاقة من يروي عنه هؤلاء الثلاثة في اعتقاد هؤلاء الثلاثة وهو إخبار بما يقرب من الحس، وإمّا بأمر حسّي (وهو ظهور حالهم) ملازمٍ _ ملازمةً عاديةً بقدر إفادة الاطمئنان _ لكون المروي عنه ثقة عند أحد هؤلاء الثلاثة الثقات، وملازمات الأمارة حجّة، فكأنّنا إطمئنَنّا بإخبار أحد هؤلاء الثلاثة بوثاقة المروي عنه.

أمّا لو استظهرنا أنّ هذه المعروفيّة لو كانت سوف لن تخفى على نفس هؤلاء الثلاثة، إذاً فهذا يعني أنّ هؤلاء الثلاثة كانوا يعلمون بأنّهم حينما ينقلون عن أحد فالناس سوف يفترضون وثاقة المروي عنه، وحينئذٍ سيكون سكوتهم عن قدح المروي عنه شهادة من قبلهم بوثاقته، فتتأكّد بذلك دلالة نقلهم عنه على وثاقته.

الرابعة: أنّ هؤلاء نقلوا أحياناً عن غير الثقات في موارد، ذكر جملةً منها الشيخ نفسه؛ فكيف يدّعى أنّ هؤلاء لا يروون عن الضعفاء؟!

لا يقال: إنّ رواية هؤلاء عن الضعفاء لا تنافي دعوى أنّهم لا يروون إلا عن ثقة؛ إذ معنى ذلك هو أنّهم لا يروون إلا عمّن يعتقدون بوثاقته، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها.

فإنّه يقال: إنّ الشيخ أراد بقوله: «لا يروون، ولا يرسلون إلا عن ثقة» الوثاقة في الواقع وفي نفس الأمر، لا في نظر هؤلاء الثلاثة، والدليل على ذلك أنّه لو كان المقصود هو الوثاقة في نظر هؤلاء لما أمكن الحكم بالتسوية بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم؛ إذ من المحتمل أن يكون الواسطة من ثبت ضعفه عندنا. هذا ما أفاده