المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

319

أوجب الزكاة لأنّها ترفيهٌ على الفقراء بفضل مال الأغنياء، فيتعدّى إلى كلّ عطاءٍ فيه ترفيه على الفقراء بفضل مال الأغنياء، أو يُقال مثلاً: (صوموا حتى تصحّوا)، فيثبت بذلك وجوب كلّ ما يؤثّر في صحّة البدن، أو يُقال: ﴿مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ﴾(1)، فيُقال: متى ما تجمّع مال كثير لدى أحد يجب توزيعه وتفتيته؛ كي لا يكون دولةً بين الأغنياء، ونحو ذلك، فالتعليل بملاكٍ ما لا يعني أنّ ذاك الملاك أينما وجد سرى الحكم؛ إذ نحتمل أنّ المولى لم يهتمّ بذاك الملاك إلا بمقدار الحكم المعلَّل، ولو لمانع في غير مورد الحكم، وإنّما نتعدّى في مورد التعليل بالصفة المشتركة بين موضوع الحكم وشيء آخر، وذلك لاستظهار العرف كونها هي الموضوع، لا ما فيه الصفة. وما نحن فيه من القسم الثاني لا الأول، فقوله: (لا يصلح ذهاب حقّ أحد) ملاك للحكم، لا موضوع له، وفرق كبير بين التعليل بوصف من أوصاف الموضوع ونحو ذلك والتعليل بفائدةٍ من فوائد الحكم، والأول هو الذي يوجب التعدّي دون الثاني.

نعم، قد تقتضي المناسبة والارتكاز عدّ شيءٍ موضوعاً ولو ذكر بصيغة الملاك، من قبيل: (لا تشرب الخمر كي لا تسكر) فإنّ العرف يفهم منه بمناسبات الحكم والموضوع والارتكاز معنى: (لا تشرب الخمر لأنّه مسكر).

ثم إنّه رغم ما ذكرناه من كون شرط الإسلام في الشاهد من ضروريّات الفقه نحن بحاجة إلى التفتيش عن إطلاق يدل على ذلك؛ كي يفيدنا في مورد قد يُشكّ فيه، فإنّ كون أصل القضيّة في الجملة من ضروريات الفقه لا ينافي الشكّ في بعض


(1) الحشر: 7