يقضي بعلمه الشخصي... القاضي ليس إلا بشراً كسائر الناس غير معصوم من الخطأ والنسيان، ولا منزَّهاً عن الغرض. والقاضي الذي يشهد في دعوى لا شكّ يكون متأثّراً بشهادته، فلا يصحّ مطلقاً أن يجلس للفصل فيها، وهذا الأمر بديهي تقضي به طبيعة الأشياء، فليس هو في حاجة إلى نص في القانون»(1).
أقول: إنّ القاضي عادةً يتأثّر بالدليل الذي يقضي به على كلّ حال، وهم يقولون بأنّ للقاضي حرّية تقدير قيمة البيّنة والقرائن، فيقضي بها عندما يقتنع بها، ويردّها عندما لا يقتنع بها، أفليس هذا عبارة عن التأثّر بالبيّنة والقرائن؟ فَلِمَ لا يُقبل تأثّره بالدليل الذي أوجب له علمه الشخصي خارج المحكمة؟! هناك فرق واحد وهو أنّ احتمال الخيانة من قبل القاضي لدى دعواه العلم الشخصي وارد بمستوىً لا يرد في تقييمه للبيّنة والقرائن أمام الخصوم مع مناقشتهم لها، ولكن هذا علاجه عندنا يكون بشرط العدالة.
مع الفقه الإسلامي
وعلى أيّة حال فلنبحث مسألة حجّية علم القاضي من زاوية فقهنا الإسلامي، وقد بحثوا تارةً حجّية علم الإمام المعصوم وجواز قضائه به، وأُخرى حجّية علم القاضي غير الإمام المعصوم.
وقد استظهر أو ادّعي في كلتا المسألتين الإجماع على جواز القضاء بالعلم.
والذي ظهر منه الفرق بين المسألتين _ ولو في خصوص باب الحدود التي هي من حقوق اللّه لا خصم النزاع _ هو صاحب النهاية حيث نُقل عن حدود النهاية: أنّه إذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن يقيم الحدّ، ولا ينتظر مع
(1) رسالة الإثبات ، ج 1 ، الفقرة 379 مكرّر، الطبعة السابعة.