بقى الكلام في شيء واحد، وهو أننا وإن قلنا: إنّ ارتكاب الصغيرة لا يضر بالعدالة، ولكننا نقول: إنّ الإصرار(1) على الصغيرة يجعلها كبيرةً لعدّة روايات، كما ورد عن عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: «لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار»(2). إلا أنّ سنده ضعيف بعمّار بن مروان القندي الذي روى هذا الحديث عن عبداللّه بن سنان، ولم تثبت وثاقته. وما ورد عن محمد بن أبي عمير عن موسى ابن جعفر (عليه السلام) في حديث «... قال النبي (صلى الله عليه و آله): لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع
(1) يبدو من بعض الروايات أنّ معنى الإصرار ليس هو التكرار، بل معناه عدم الندم، أو عدم حديث النفس بالتوبة، وإن كانت تلك الروايات غير واردة في الصغيرة، وما شاهدت من ذلك روايتان:
1_ ما جاء في رواية محمد بن أبي عمير عن موسى بن جعفر (عليه السلام) من قوله: «يا أبا محمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب، ومتى ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة، ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً، والمصرّ لا يغفر له؛ لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم ...»
2_ ما عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّه (عزوجل): ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، قال: «الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه ولا يحدّث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار» وسائل الشيعة، ج 11، ص268، الباب 48 من جهاد النفس، ح 4.
وسند الحديث كما يلي: الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام). والسند ضعيف بعمرو بن شمر على الأقلّ.
هذا. والظاهر أنّ التفسير الأول _ أي الوارد في الحديث الأول _ لا يمكن تسريته إلى باب الصغيرة؛ لأنّ الإصرار لو كان بمعنى عدم التوبة فالصغيرة بلا إصرار مغفورة بالتوبة سواء اجتنب الكبائر أو لا، فما معنى قوله: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾، فالظاهر أنّ المقصود بالإصرار إمّا هو التكرار الكثير، أو الإصرار النفسي والإصرار النفسي هو الذي أُشير إليه في الحديث الثاني وهو المفهوم عرفاً من كلمة الإصرار فالإصرار حالة نفسية بمعنى كون الإنسان مرتكباً للذنب لا كصدفة عابرة على النفس بل بإقبال نفسي ثابت.
(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص268، الباب 48 من جهاد النفس، ح3.