المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

97

ولولا نصوص وجوب الذبح بمنى لكنّا نقول بمقتضى هذه الآية: إنّ محلّ ذبح الهدي هو مكّة، كما أنّ تلك النصوص لا يمكن أن تؤدي إلى سلخ جملة ﴿مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ من معناها نهائياً، فمقتضى الجمع بين مفاد الآية المباركة وتلك النصوص: أن يكون المقصود مكّة بما حواليها إلى حدود منى، فيدخل منى في دائرة البيت العتيق بمعنى واسع. وعندئذٍ هل يتعامل مع الآية وتلك النصوص معاملة المطلق والمقيّد المعروفة في علم الأُصول؛ أي أنّ المقصود هو الذبح بمنى الذي يكون بمعنى واسع ذبحاً بالبيت العتيق ويكون في نفس الوقت ذبحاً بمنى، أو يكون التنصيص في الآية المباركة على حدّ البيت العتيق _ رغم دلالة تلك النصوص على الحدّ الثاني وهو منى _ دالّاً عرفاً على أنّ الحد الأوّل _ بما هو _ مطلوب وإن كان يجب مع الإمكان مراعاة كلا الحدّين؟

والوجه الرابع هذا متوقف على استظهار هذا الأمر الأخير؛ أي أنّ التنصيص في الآية على البيت العتيق يعطي ركنيّة لهذا الحدّ، فيفهم أنّه وإن كان يجب الأخذ بالحدّ الخاص وهو منى لدى الإمكان، ولكن لدى العجز عن الحدّ الخاص تبقى حدّيّة البيت العتيق ويجب الذبح بمكّة وما حواليها.

فلو قبلنا هذا الاستظهار فقد تمّ لنا هذا الوجه الرابع لإثبات المقصود، وهو أنّ الذبح لا يسقط بالعجز عن إيقاعه في منى، بل لابدّ من تحقّق الذبح ولو في مكّة.

ولو لم نقبل هذا الاستظهار فالآية الكريمة تفيدنا _ على أيّة حال _ فائدة أُخرى في المقام.

وتوضيح ذلك: أنّه بعد تسليم عدم سقوط الذبح لا إلى بدل _ وهو الصوم _ ولا من دون بدل، تبقى مسألة أُخرى هامّة أيضاً؛ وهي أنّه هل يجوز ذبح الهدي بعد العجز عن إيقاعه في منى في أيّ مكان شئنا، أو يجب اختيار مكّة أو ما حواليها للذبح؟

لا شكّ أنّ بعض الوجوه التي ذكرناها لنفي سقوط الذبح يثبت الثاني، وهو الوجه الرابع بالخصوص؛ فإنّه بعد حمل الآية وما ضمّ إليها للتقييد وهي أدلة تعيّن منى على تعدّد المطلوب، لو سقط المطلوب الثاني بالعجز، وهو الذبح في منى لم يسقط المطلوب الأوّل وهو كون محلّها البيت العتيق.

أمّا لو لم نقبل هذا الوجه لعدم استظهار تعدّد المطلوب، فإثبات خصوصية لمكّة أو ما حواليها بعد العجز عن الذبح بمنى بباقي الوجوه مشكل.

أمّا ما اختاره السيد الخوئي(رحمه الله) _ من أنّ دليل التقييد بمنى ليس له إطلاق لفرض العجز، فنرجع لدى العجز عن الذبح بمنى إلى إطلاقات أصل وجوب الهدي _ فالأمر واضح؛ فإنّ أصل وجوب الهدي لا يدل على ضرورة كون الذبح في مكّة أو ما حواليها.