والجواب: أنّه يكفي في بقاء الإطلاقات على إطلاقها احتمال عقلائي آخر، وهو أن يكون أثر النقش من قبل السلطة إعطاؤه للذهب أو الفضّة قوّة التعامل بهما ولو بمقدار ما ينشأ عن سكّة الحكومة من ضمان الوزن والجودة، وهذا ثابت في السكك الذهبية المألوفة اليوم. وعليه فالأقوى تعلّق الزكاة بها.
وأمّا الحديث عن تقدّم الخمس على الزكاة وبالعكس فقد يقال: إنّه يخرج عن هذا البحث ما يتعلّق به الخمس منذ البدء كما في المعدن والغوص والكنز وغنيمة الحرب، فإنّ الزكاة تجب بعد سنة والخمس قد وجب قبل ذلك، وطبيعي أنّ الزكاة لا تجب إلّا على ما بقي في الملك وهي الأربعة أخماس الباقية لو بقيت سنةً.
ومن هنا قد يقال: إنّ الخمس دائماً يتقدّم على الزكاة؛ لأنّ الخمس يتعلّق دائماً بالمال من أوّل يوم وإن كان متعلّقه هو المال الذي سيبقى في علم الله سنة كاملة ولا يصرف في المؤونة، ولهذا يجوز إخراج الخمس من أوّل السنة وإن جاز تأخيره إلى آخر السنة، في حين أنّ الزكاة تجب في آخر السنة فلا تجب إلّا في الأربعة أخماس الباقية.
وهذا البيان لو تم فإنّما يتم في الأعيان الزكوية التي تكون الزكاة فيها مشروطة بمضي الحول وهي النقدان والأنعام.
أمّا لو مضى الحول على أُصول الغلّات وخُمِّست بعينها قبل بدو الصلاح فاختصاص الزكاة على المالك الأوّل بغلّات ما بقي في ملكه واضح، ولو أُخرج خمس الأُصول بدفع القيمة فبقيت الأُصول لمالكها فثبوت الزكاة على تمام الغلّات واضح، ولو بقي غاصباً لخمس الأُصول فاختصاص الزكاة بغلّات الأربعة أخماس غير المغصوبة واضح.
وهناك وجه ثان لإثبات تقديم الخمس على الزكاة وهو أنّ الزكاة تتعلّق بالماليّة، لا بالعين بخصوصيّاتها العينية؛ بدليل جواز إخراجها من غير ذات الأعيان المتعلّقة للزكاة، ولكن الخمس يتعلّق بالأعيان على نحو الشركة والإشاعة على ما هو الظاهر من رجوع الضمير إلى ما غنمتم في قوله تعالى: ﴿َكوَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ