المولفات

المؤلفات > دراسات فقهية

36

وأورد على ذلك السيد الخوئي(رحمه الله) بقوله: «ولكن الظاهر عدم الفرق بين ضوء القمر وبين غيره من موانع الرؤية، فإنّه أيضاً مانع عن التبيّن الذي أُخذ في الموضوع طريقاً لاستعلام الفجر وكاشفاً عن تحقّقه؛ ضرورة‌ عدم الفرق في أصل تكوين البياض بين الليالي المقمرة وبين غيرها، والقاهرية المدّعاة إنّما تمنع عن فعليّة الرؤية لا عن تحقّق المرئي، كما يرشدك إليه بوضوح فرض الانخساف في هذه الحالة، فإنّ البياض الموجود يستبين وقتئذٍ بنفسه لا محالة، فإذا علم به من أيّ سبيل كان ولو من غير طريق الرؤية ترتّب عليه الحكم بطبيعة الحال.

وبالجملة حال ضياء القمر حال الأنوار الكهربائية في الأعصار المتأخّرة، ولا سيّما ذوات الأشعّة القوية؛ لاشتراك الكل في القاهرية، غاية الأمر أنّ منطقة الأوّل أوسع ودائرته أشمل من غير أن يستوجب ذلك فرقاً في مناط القهر كما هو واضح، فالقصور في جميع هذه الفروض إنّما هو في ناحية‌ الرائي دون المرئي.

وأمّا قياس المقام بالتغيّر التقديري فهو مع الفارق الظاهر؛ إذ المستفاد من الأدلّة أنّ ‌الموضوع للنجاسة هو التغيّر الفعلي الحسّي، فله موضوعية في تعلّق الحكم، ولا يكاد يترتّب ما لم يتحقّق التغيّر ولم يكن فعليّاً في الخارج، ولا يكفي الفرض والتقدير، وأمّا في المقام فالأثر مترتّب على نفس البياض، والتبيّن طريق إلى إحرازه وسبيل إلى عرفانه، والمفروض تحقّقه في نفسه غير أنّ ضوء القمر مانع عن رؤيته، فالتقدير في الرؤية لا في المرئي، فإنّه فعلي بشهادة ما عرفت من افتراض الانخساف، فإذا علم المكلّف بتحقّقه حسب الموازين العلمية المساوق للعلم بطلوع الفجر كيف يسوغ له الأكل في شهر رمضان، أو يمنع من الدخول في الصلاة بزعم عدم تحقّق الرؤية، فإنّ هذه الدعوى‌ غير قابلة للإصغاء كما لا يخفى»(1).


(1) موسوعة الإمام الخوئي، ج11، ص 201_ 202.