ويوجد بين المفسّرين حديث حول هذه الاُمّة الواحدة التي عاشت في بداية الخلقة، فقد ورد أنّها كانت اُمّة مهتدية، وكانت هدايتها نابعة من الفطرة الإلهيّة المودعة لديها، ثمّ اختلفت لعلمها المحدود وعجز أحكام الفطرة والمستقلاّت العقليّة لوحدها عن الأخذ بيد الإنسان وإراءته الطريق في خضم اُولى العقبات التي واجهته في حياته، فكان سير الإنسان بحسب طبعه وفطرته نحو الاجتماع المدنيّ الذي يجرّه فطريّاً نحو الاختلاف سبباً لبعث الأنبياء وإنزال الكتب، وإذا كانت الفطرة منشأ هذا الاختلاف لم تتمكّن من رفعه، فرفعه الله سبحانه بالنبوّة والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق بحاله المصلح لشأنه.
واقتضت الألطاف الإلهيّة بأبناء البشريّة هذه أن يواتر عليهم رسله وأنبياءه لهدايتهم وتربيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة وإقامة العدل والقسط، لذا قال عزّوجلّ: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(1). و(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُْمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُّبِين)(2).
وورد في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حول فلسفة بعثة الأنبياء (عليهم السلام)
(1) الحديد: 25.
(2) الجمعة: 2.