المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

518

أخفّ المؤونتين لكنّه لا يثبت في مقابل الإهمال.

فعلى هذا المبنى يمكن أن يقال في ما نحن فيه بعد فرض إحراز عموم الحكم بوجه من الوجوه: إنّه يحتمل إهمال المتعلّق لكفاية عموم الحكم، فلا يمكن إحراز إطلاق المتعلّق بمقدّمات الحكمة ؛ لأنّ الإطلاق يعتبر في مقابل الإهمال مؤونة زائدة.

وأمّا لو لم نحرز عموم الحكم وقلنا مثلاً: إنّ دليل الحكمة، أي: صون كلام الحكيم عن اللغوية إنّما يعرّفنا إجمالاً ضرورة عموم الحكم أو المتعلّق، فهنا ذكر المحقق النائيني(رحمه الله): أنّ العموم يصرف في هذه الحالة إلى الحكم، لا إلى المتعلّق.

أقول: كما أنّ مقتضى إطلاق المتعلّق عدم العموم فيه ؛ لأنّ الإهمال هو الذي يكون خالياً من كلّ مؤونة، فيقال: لا بدّ من صرف العموم إلى الحكم، كذلك مقتضى إطلاق الحكم عدم عمومه بنفس البيان، فليصرف العموم إلى المتعلّق مثلاً(1).

فالصحيح أن يقال: إنّه إذا تردّد العموم بين كونه للحكم أو للمتعلّق كان الكلام مجملاً، والنتيجة تكون لصالح المحقّق النائيني (رحمه الله) ؛ لأنّه عندئذ لا يمكن التمسّك بالعموم ؛ لأنّ المفروض عدم التمسّك به إذا كان طارئاً على الحكم.

إلاّ أنّه مع هذا نقول: لماذا لا نتمسّك بإطلاق المتعلق ما دمنا لا نؤمن بمبنى كون الإطلاق مؤونة زائدة في مقابل الإهمال، فإنّ هذا المبنى ليس صحيحاً عندنا، ولا عند المحقّق النائيني(رحمه الله)؛ لأنّنا نقول بأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والإيجاب، والمحقّق النائيني(رحمه الله)يقول بأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة(2)؟ فإن ثبت من ناحية أنّ الإطلاق ليس مؤونة زائدة في مقابل الإهمال، ومن ناحية اُخرى ما اشرنا إليه من أنّه لا يتعقّل عرفاً كون المولى في مقام البيان من ناحية الحكم وعدم كونه في مقام البيان من ناحية المتعلّق، فلا


(1) بما أنّ الشيخ النائيني (رحمه الله) آمن بعدم إمكانيّة جريان الإطلاق في دليل الحكم بلحاظ نفس الحكم ؛ لأنّ دليل الحكم لا ينظر إلى ما فوق دائرة الحكم من عموم وعدمه ذكر: أنّ الإطلاق بلحاظ المتعلّق ينفي العموم من دون أن يعارض ذلك بالإطلاق بلحاظ الحكم. ومن ناحية اُخرى دليل الحكمة وصون كلام الحكيم عن اللغوية يثبت العموم، فينصرف العموم ـ لا محالة ـ إلى جانب الحكم.

أقول: لو تمّ كلّ هذا فبما أنّ دليل الحكمة أمر ارتكازي كالمتّصل يكون صالحاً للقرينية على تقييد المتعلّق بالعموم، فنعود مرّة اُخرى إلى ما فرضه اُستاذنا (رحمه الله) في المتن من الإجمال.

(2) صحيح أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد عند المحقّق النائيني (رحمه الله) تقابل العدم والملكة، وليس الإطلاق عنده مؤونة في عرض التقييد، ولكنّه كأنّه (رحمه الله) يفترض في المقام أنّ الإطلاق لا يقتضي أكثر من البدلية. أمّا الشمول لكلّ حصص المتعلّق سواء فرض استغراقياً أو مجموعياً فهو الذي يعتبر مؤونة زائدة في عرض التقييد.