المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

433

وقد يلحظ المولى كلا الجانبين، أعني جانب الاحتمال وجانب المحتمل معاً، وذلك كما في قاعدة اليد بناءً على لحاظ قوّة الكشف فيها، وقاعدة الفراغ التي يكون ظاهر دليلها هو لحاظ درجة الكشف، ولكن في نفس الوقت لوحظ فيها جانب المحتمل أيضاً، فترى قاعدة اليد إنّما تكون في قسم خاصّ من المحتملات، وهو الملكيّة، وقاعدة الفراغ ـ ايضاً ـ في قسم خاص من المحتملات، وهو الأجزاء والشرائط الداخلية في صحّة العمل مثلاً، فهذا أمر متوسّط بين الأمارة والأصل، وليكن هذا هو المقصود بالأصل التنزيلي الذي هو بين الأمارات والاُصول، وقد أدرك ذلك، أي: الأصل التنزيلي العلماء بفطرتهم، لكنّهم ـ أيضاً ـ فسّروه بما يرجع إلى عالم الألفاظ، وأرجعوا الفرق بين التنزيلي وغيره إلى القشور وأساليب أداء الحجيّة، وهذا ـ أيضاً ـ لا تكون لوازمه حجّة، لأنّه يوجد فيه جانب الأصلية، والنتيجة تتبع أخسّ المقدمات على تفصيل في ذلك:

توضيحه: أنّه لو فرضنا مثلاً الملازمة بين صحّة الصلاة التي وقت وصحّة الصوم الذي وقع، وفرضنا أنّ قاعدة الفراغ تختصّ بباب الصلاة، فهنا لايمكن إثبات صحّة الصوم بإجراء قاعدة الفراغ في الصلاة ؛ لاحتمال الاختلاف في درجة الأهميّة بين المحتملين. أمّا إذا كانت هناك ملازمة بين صحّة الصلاة التي وقعت وصحّة صلاة اُخرى وقعت أيضاً، وكانت قاعدة الفراغ تختصّ بإحداهما؛ لاختصاص الأذكريّة بها صدفةً، فهنا يمكن إثبات صحّة الصلاة الاخرى بالملازمة بغض النظر عن نكتة سوف تأتي، فإنّ المحتملين من سنخ واحد بعد إستبعاد كون صرف الأذكرية وعدم الأذكريّة دخيلاً في درجة أهميّة المحتمل.

وقد اتّضح بكل ما ذكرناه أنّ هنا فرقاً ثبوتياً وجوهرياً بين الأمارة والأصل يؤثّر في حجيّة لوازم الأمارة دون الأصل، وهو كون النظر في الأوّل إلى درجة الاحتمال فحسب، وفي الثاني إلى درجة قوّة المحتمل وحدها، أو منضمّة إلى درجة الاحتمال. نعم، بحسب الإثبات نحتاج إلى دليل يثبت أنّ الملحوظ في الشيء الفلاني هو قوّة الاحتمال لا قوّة المحتمل حتّى تثبت حجيّة لوازمه.

ثمّ إنّ ما ذكرنا كلّه يكون فيما إذا فرض أنّ الحكم الظاهري كان الملحوظ فيه الطريقية الصرف إلى الواقع، ولم تلحظ فيه أيّ نكتة اُخرى نفسيّة. وأمّا إذا فرض دخل نكتة نفسية في الحكم بطلت حجيّة اللوازم في تمام الموارد ؛ لاحتمال كون النكتة النفسيّة مختصّة بالمدلول المطابقي، إلاّ إذا فرض أنّ لسان دليل الحجيّة كان مطلقاً يشمل اللوازم أيضاً، وعندئذ تكون اللوازم حجّة ولو فرضت تلك الحجّة أصلاً لا أمارة.