المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

431

وأمّا صفة الاقتضاء للجري العملي فلو فرض محالاً أنّ الشارع أعطاها لغير العلم تكويناً لا تعبّداً لم يكن يسلتزم ذلك اقتضاء الجري العملي بالنسبة للملازمات، فتلك النكتة غير موجودة هنا، ولهذا لا تنعقد تلك الملازمة العرفيّة هنا.

الأمر الثاني: أن يفترض أنّ دليل التعبّد بشيء في الأمارات وفي الاُصول يكون فيه بحسب الإثبات إطلاقٌ يشمل ذاك الشيء وجميع آثار ذاك الشيء ولو كانت عقلية، بلا فرق في ذلك بين الأمارات والاصول. وهذا الإطلاق ينتج في باب الأمارات حجيّة اللوازم ؛ لأنّ من آثار كشف الشيء كشف جميع ملازماته، فدليل التعبّد بكشفه دليل على التعبّد بكشف جميع ملازماته، ولكنّه لا ينتج في باب الاُصول حجيّة اللوازم ؛ لأنّ المتعبّد به في الاُصول هو اقتضاء الجري العملي، ويكون الأصل منزّلاً منزلة العلم في اقتضائه للجري العملي، واقتضاء العلم للجري العملي على طبق المعلوم ليس من آثاره اقتضاء الجري العملي على طبق ملازمات الشيء. نعم يوجد هنا تلازم بين الاقتضائين من باب ملازمة المقتضيين، وهما العلم بالشيء والعلم بلوازمه.

ولكن هذا الأمر الثاني لا ينسجم مع مبنى المحقّق النائيني(رحمه الله).

توضيحة: أنّ هذا الأمر إنّما ينسجم بناءً على تفسير جعل الطريقية بتنزيل الأمارة منزلة الكاشف في الآثار، فيدّعى أنّ الدليل مطلق يشمل كلّ الآثار، لكن المحقّق النائيني(رحمه الله)لا يقول بجعل الطريقية بهذا المعنى؛ إذ هذا يرجع إلى جعل الآثار من المنجّزيّة والمعذّريّة، وهو يرى جعل المنجّزيّة والمعذّريّة محالاً، وإنّما يقول بجعل الطريقيّة بمعنى إيجاد الفرد الاعتباري للعلم على نحو مجاز السكاكي، فعندئذ يترتّب عليه ـ لا محالة ـ كلّ أثر يكون بنفسه أثراً للجامع بين الفرد الوجداني والفرد الاعتباري، ويدّعى أنّ التنجيز والتعذير من هذا القبيل، ولا يترتّب عليه كلّ أثر لا يكون أثراً للجامع، وإنّما يكون أثراً للفرد الوجداني فقط، وذلك من قبيل انكشاف اللوازم، فإنّه أثر للانكشاف الحقيقي فقط، دون التعبدي.

وعلى أيّة حال، فتحقيق المطلب: أنّ الفرق الجوهري بين الأمارات والاُصول أعمق جوهريّة من الفرق بين لسان جعل الكاشفية ولسان جعل اقتضاء الجري العملي، ويكون الفرق بين الأمارات والاُصول في حجيّة اللوازم وعدمها أكثر ارتباطاً بذاك الفرق الجوهري الذي نحن نقوله منه بهذا.

وتوضيح ذلك: أنّه مضى في محلّه أنّ جعل الحكم الظاهري عبارة عن جعل الخطاب الحافظ لبعض الملاكات الواقعية عند تزاحمها في مرحلة الحفظ، فالمولى يحكّم في ذلك قانون