المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

416

والعجيب أنّ السيّد الاُستاذ وافق على هذا الكلام(1).

وأنت ترى أنّ هذا الكلام إنّما يصحّ بياناً لعدم المنافاة بين استصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان واستصحاب الحلّيّة المعلّقة على عدم الغليان، لكنه يوجد في المقام استصحاب آخر وهو استصحاب الحلّيّة التنجيزية(2)، حيث إنّ هذا الزبيب قبل الغليان كان حلالاً منجّزاً حلّيّة مردّدة بين حكم طويل الأمد وهي الحلّيّة المطلقة وحكم قصير الأمد وهي الحلّيّة المعلّقة على عدم الغليان، فتستصحب هذه الحلية إلى ما بعد الغليان، وإذا أجرينا استصحاب الحلّيّة التنجيزية إلى ما بعد الغليان ـ فلا محالة ـ يعارض استصحاب الحرمة(3).

نعم، الصحيح: أنّه حينما يجري استصحاب الحرمة التعليقية لا يجري استصحاب الحلّيّة التنجيزية، لكن لا من باب الحكومة المألوفة كما ادّعي في الاتّجاه الأوّل، بل من باب أنّ إحدى الحالتين السابقتين تغطّي على الحالة الاُخرى وتخيّم عليها وكأنّها تُفنيها.

وتوضيح المقصود: أنّه متى ما كانت عندنا حالتان سابقتان في شيء، فإن كانت إحداهما فقط هي التي تجمع أركان الاستصحاب فالاستصحاب يجري بالنسبة لها دون الاُخرى، وإن كانت كلّ منهما في حدّ ذاتها، أي: لو بقيت وحدها جامعة لأركان الاستصحاب، فعندئذ إن كانت الحالتان في عرض واحد كما في موارد توارد الحالتين فالاستصحابان يتعارضان، وإن كانتا طوليتين لا عرضيتين، واقصد بذلك أنّ إحدى الحالتين تشكّل قانون نسخ الاُخرى وكأنّها تخيّم عليها، فهنا تصبح هذه الحالة هي التي يجري فيها الاستصحاب دون الاُخرى؛ وذلك لأنّ الاستصحاب ـ على ما مضى ـ أصل ارتكازي في نظر العقلاء بنحو من أنحاء الارتكاز، فدليل حجيّة الاستصحاب ينصرف إلى ما يطابق ذلك الارتكاز ويلتئم معه، ومن الواضح في مثل هذا الفرض أنّ ارتكازية الاستصحاب في نظر العرف تنصبّ على تلك الحالة المخيّمة والناسخة، لا على الحالة المخيّم عليها والمنسوخة، فإذا كان شخص يدرّس في كلّ يوم في الساعة الاُولى من ساعات النهار مثلاً، ثمّ شككنا في يوم من الأيام في أنّه هل


(1) راجع مصباح الاصول: ج 3، ص 142.

(2) ان السيّد الخوئي(رحمه الله)ـ حسب ما ورد في مصباح الاصول ـ ملتفت إلى استصحاب الحلية التنجيزية لكنه يدّعي أن هذه الحلية مردّدة بين أن تكون نفس الحلية التي كانت في حالة العنبية فهي مغيّاة بالغليان أو حلية أخرى غير مغيّاة به وهي مشكوكة الحدوث.

(3) هذا الجواب يستنبط من كلام الشيخ الإصفهاني(رحمه الله)، فراجع نهاية الدراية: ج5، ص177 بحسب طبعة آل البيت.