المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

415

تكرار لنفس المدّعى، فأشكلوا عليه بأنّه لم يظهر وجه للحكومة، وأنّ كلامه ليس إلاّ تكراراً.

وبما أنّ مختارنا من هذه المواقف الأربعة تجاه إشكال المثبتية هو الموقف الثاني، وعليه لا معنى للحكومة في المقام، فنحن لا نقبل هذا الاتّجاه الأوّل، وهو اتّجاه الحكومة.

وبالإمكان أن يورد هنا إشكال آخر على هذه الحكومة، وهو: أنّ استصحاب الحرمة وإن كان ينفي الحلية بناءً على أنّها نقيض الحرمة، وأنّها أمر عدمي، لكن بناءً على كونها ضدّ الحرمة وأمراً وجودياً لا ينفيها، ولا تتمّ الحكومة، ولو بنينا على كونها أمراً عدمياً فلنتكلم في فرض كون الحكم التنجيزي هو الاستحباب، كما لعل الأمر كذلك في الزبيب، وعندئذ لا معنى لحكومة استصحاب الحرمة على استصحاب الاستحباب.

وهذا الإشكال يمكن دفعه بناءً على مذاق المشهور من أنّ الأحكام الظاهرية أحكام جعلت للتنجيز والتعذير، وذلك ببيان أنّ التعذير في المقام يترتّب على عدم الحرمة والإلزام، لا على الحلّيّة بالمعنى الوجودي، أو الاستحباب، فاستصحاب الحلّيّة أو الاستحباب غير جار في نفسه، وغير معذّر، ويجري استصحاب الحرمة التعليقية المفروض حكومته على استصحاب عدم الحرمة التنجيزي.

أمّا إذا بنينا على ما هو المختار من أنّ الأحكام الظاهرية تبرز درجة اهتمام المولى بالأحكام الواقعية ومبادئها، فهذا الجواب لا يأتي، ولكن قد يقال: إنّنا نستصحب عدم الإباحة أو الاستحباب المعلّق على الغليان، ويكون ذلك حاكماً على استصحاب الحلّ أو الاستحباب التنجيزي، وهذا مبنيّ على القول بأنّه إذا كان حكم وجوديّ غير مجعول في الشريعة، ثمّ جعل في الشريعة على بعض الفروض والأحوال، فالمستفاد عرفاً هو جعل عدمه، واعتبارُه في الحالات الاُخرى، وهي حالة الغليان في المقام.

وأمّا الاتّجاه الثاني: فقد أبداه المحقّق الخراساني(رحمه الله)(1) بتقريب: أنّ الحرمة المعلّقة على الغليان مع الحلّيّة المغيّاة بالغليان كلتاهما كانتا ثابتتين حدوثاً على العنب، ولم تكن أيّة منافاة بينهما باعتبار أنّ شرط إحداهما غايةٌ للاُخرى، فلم يلزم اجتماع الحلّيّة والحرمة في آن واحد، فإذا كانت الحلّيّة المغيّاة بالغليان والحرمة المعلّقة على الغليان ثابتتين معاً على العنب حدوثاً بالوجدان بلا أيّ منافاة بينهما فكيف تقع بينهما منافاة حينما تثبتان بقاءً بالتعبّد؟!


(1) راجع الكفاية ج2 ص322 بحسب الطبعة المشتلمة في حواشيها على تعليات المشكيني.