المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

407

السببية والتولّد؟

فإن قصد الأوّل قلنا: إنّ الاشتراط بهذا المعنى إنّما يعقل في عالم المفاهيم لا في عالم الوجودات، وإن قصد الثاني قلنا: إنّ العلم بوجوده الخارجي لا يتولّد من تقدير الغليان، وإنّما العلم وليد برهانه، هذا هو الإشكال الرئيسي في المقام، وهذا الذي بيّناه في العلم يأتي ـ أيضاً ـ في الإرادة والشوق، إلاّ أنّ المقدار المرتبط بالمقام كان هو تطبيق ما بيّنّاه على العلم(1). أمّا تطبيقه على الإرادة والشوق فموكول إلى بحث الواجب المطلق والمشروط.

 


(1) قد تقول: إنّ هذا الذي أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في الحقيقة برهان على عدم إمكان فعليّة العلم المنوط بتقدير الشرط في المقام، وما أفادة الشيخ العراقي(رحمه الله)برهان على فعليّة العلم المنوط بتقدير الشرط. واُستاذنا الشهيد لم يبطل مقدّمة من المقدّمات البرهانية لكلام الشيخ العراقي، فأيّ موقف نحن نتخذه باتجاه برهانين منتهيين إلى نقيضين؟!

ولعل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) لم يكن يحسّ بمأزق من هذا القبيل؛ لأنّه لم ير في كلام الشيخ العراقي(رحمه الله)برهاناً على مقصوده، لان قياس العلم بالإخبار لم يذكر في المقدار الوارد في نقل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)برهان عليه، ولكنّنا قد أشرنا إلى برهان ذلك تحت الخط في ما قبل هذا التعليق بتعليقتين فراجع.

هذا. ولو كان الأمر منحصراً بمثل: (العنب إذا غلى يحرم) لأمكن الخروج عن هذا المأزق بدعوى بطلان المبنى الذي قام عليه كلام الشيخ النائيني(رحمه الله)، وردِّه، وهو فرض أنّ الحرمة إنّما تصبح فعليّة لدى فعلية الغليان، حيث إنّ هذا هو مبنى المحقّق النائيني، وهذا هو الذي تنازل إليه الشيخ العراقي في إشكاله هذا كي يكون غاضّاً للنظر عن إشكاله الأوّل، فالواقع بعد فرض بطلان هذا المبنى أنّ العلم تعلّق بالحرمة وأنّ تقدير الغليان قيد للمعلوم، وأن هذا لا يؤدّي إلى فرض العلم بالغليان؛ لأنّ فعليّة الحرمة المقيّدة بالغليان لا تكون بفعلية الغليان، فالعنب الغالي حرام حتّى قبل وجود الغليان، وقبل وجود العنب.

ولكن الإشكال يستفحل في مثل (لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا) إذ في القضايا التكوينية لا يوجد جعل أو حكم مسبق على تحقّق الشرط يفترض كونه هو عين فعليّة الجزاء، ولا شكّ فيها في أنّ فعليّة الجزاء لا تكون إلاّ بفعلية الشرط، وعندئذ لو قبلنا كون الشرط قيداً اُنيط به العلم ورد عليه برهان اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)، ولو نفينا ذلك ورد عليه برهان الشيخ العراقي(رحمه الله).

وواقع المطلب هو: انّ ما استبدهَهُ المحقق العراقي(رحمه الله)من كون مثل هذه القضايا الشرطيّة إخباراً عن الجزاء لا عن الملازمة بين الشرط والجزاء، أوّل الكلام، وهذا هو الذي يوجب خروجنا من المأزق، ففي مثل (إن طلعت الشمس فالنهار موجود) لا بأس بافتراض الإخبار عن وجود النهار المقيّد بطلوع الشمس، بأن يكون إخباراً عن القيد والمقيّد ولو بلحاظ الزمان المستقبل، ولكن في مورد فرض الاستحالة كما في قوله: (لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)، أو فرض عدم الاطّلاع على وقوع الجزاء في المستقبل لا بدّ من حمل الإخبار على الإخبار بالملازمة، وبه نخلص من مأزق البرهانين المتقابلين.

أمّا لو كان إخباراً عن الجزاء على تقدير الشرط، فلو فرض تقدير الشرط قيداً للمخبر به لزم دخوله تحت الإخبار، وتعلّق الإخبار بالقيد والمقيّد، ولو فرض تقديره قيداً للإخبار وبالتالي قيداً للعلم فكونه قيداً له على حدّ