المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

399

وليس هذا رجوعاً إلى استصحاب الملازمة كما يظهر ذلك بالالتفات إلى استصحاب الجعل في الشكّ في النسخ، فإنّ المستصحب هناك نفس القضية التي هي شرعية وهي: (يحرم البول) مثلاً لا الملازمة بين الحرمة والبول غير القابلة للجعل شرعاً، والمنتزعة من الجعل.

ولا فرق في تماميّة ما ذكرناه من التفصيل بين ما لو تصورنا استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية بمعنى استصحاب الفعلية التي لا تكون في مسلك الشيخ النائيني إلاّ بعد تحقّق الموضوع خارجاً، ولازمه أنّه لا يمكن للفقيه إجراء الاستصحاب في الشبهات الحكمية ما لم يعشْ تحقّق الموضوع خارجاً، أو تصورناه بمعنى استصحاب المجعول الذي قلنا في تحقيق سابق لنا: إنّه عين الجعل، ولكن منظوراً إليه بالعنوان الأوّلي لا بالحمل الشائع، وإنّه ليست لنا فعليّة وراء ذلك بفعلية الموضوع.

وقد مضى تفصيل ذلك في محلّه، وإجماله: أنّ الفرق بين الجعل والمجعول إنّما هو بالاعتبار، فالمولى حينما يجعل مثلاً نجاسة البول فهذا بعنوانه الأوّلي وبمنظار الحمل الأوّلي نجاسة مستندة إلى البول، وبالحمل الشائع ليست نجاسة، بل هي حالة مستندة إلى المولى، وجزء من المولى، فهو بالاعتبار الأوّل مجعول، وبالاعتبار الثاني جعل. وإذا جعل المولى نجاسة الماء المتغيّر فهذا بعنوانه الأوّلي نجاسة عارضة على الماء المتغيّر، يستصحب الفقيه بقاءها بعد فرض زوال التغيّر وهو جالس في الغرفة غير مطّلع على الواقع الخارجي، ولم يقع الموضوع في الخارج أصلاً.

فعلى كلا هذين التصوّرين لاستصحاب الحكم نقول في المقام بالتفصيل بين مثل قوله: (العنب الغالي حرام) ومثل قوله: (العنب إذا غلى يحرم) أو (العنب يحرم الغالي منه).

ففي الأوّل لا يجري استصحاب الحرمة لا على التصوّر الأوّل؛ لأنّ المجعول لم يوجد خارجاً في حالة العنبية حتّى يستصحب؛ لأنّ وجوده فرع وجود كلّ قيود الموضوع ومنها الغليان، ولا على التصوّر الثاني؛ لأنّه على هذا التصوّر وإن كان اليقين السابق متحقّقاً؛ لأنّنا في الحقيقة نستصحب الجعل بالحمل الأوّلي، والجعل ثابت حدوثاً، ولكنّ الجعل بعنوانه الأوّلي وبمنظار الحمل الأوّلي لم يكن هو حرمة العنب، وإنما هو حرمة العنب الغالي، فالعنب


الوجه الآخر يحلّ الإشكال على الإطلاق لكان يقول بالتفصيل الذي اختاره اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في المقام.

راجع نهاية الدراية: ج3، ص89 ـ 90 بحسب انتشارات مهدوي، وج 5، 172 ـ 173 بحسب طبعة آل البيت.