المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

362

وعليه نقول: إنّنا في الصورة التي كنّا نعلم فيها بدخول زيد في المسجد ولا نعلم بخروجه لو أردنا استصحاب الكلّي كانت أركان الاستصحاب تامّة، حيث إنّ اليقين السابق وهي الصورة التصديقية لمفهوم الإنسان غير منتقض باليقين؛ لأننا نشكّ في ارتفاع طرف الإشارة وزواله، فنتعبّد بالبقاء ونرتّب الآثار. وأمّا في هذه الصورة التي بين أيدينا والتي نعلم فيها بخروج زيد، ونحتمل دخول عمرو مقارناً لخروج زيد، أو قبل خروجه، فصحيح أنّنا كنّا قد استعملنا مفهوم الإنسان للإشارة، غير أنّنا قد علمنا بعد ذلك بارتفاع طرف الإشارة، وبالتالي بزوال الإشارة التي بها قوام العلم؛ لأنّ طرف الإشارة هو المعيّن؛ إذ لا تكون الإشارة إلاّ إلى المعيّن، وقد علمنا بخروج المعيّن، فعدم التعبّد ببقاء الإشارة وطرفها نقض لليقين باليقين، وتصوّر الإنسان ومفهومه ليس علماً لما قلناه في الأمر الثالث من أنّ المفاهيم التي هي أدوات الإشارة لا تكون علوماً مستقلّة قبال نفس الإشارة ومجرّدة عنها كما لا يخفى(1).

إذن فلا معنى لجريان الاستصحاب في هذه الصورة سواءً كان العلم التفصيلي بالفرد والإشارة إليه بمفهوم الإنسان أو بمفهوم آخر أكثر ضيقاً أو أقل. هذه هي لغة التحقيق في هذه الصورة.


(1) يبدو أنّ مغزى الكلام في المقام هو أنّ العلم بالكليّ ليس إلاّ جزءً تحليليّاً من العلم بالحصّة، كما أنّ الكلّي ليس إلاّ جزء تحليلياً من الحصّة. والوجه في كون العلم بالكلّي جزءً تحليليّاً من العلم بالحصّة أنّ العلم متقوّم بالإشارة المتقوّمة بالتعيّن، والتعيّن يكون للحصّة، فإذا جزمنا بانتفاء الحصّة فقد انتقض اليقين باليقين.

ونقصد بالاشارة إلى الحصّة معنىً واسعاً يشمل الإشارة الموجودة في موارد العلم الإجمالي الذي لا تعيّن لمتعلّقه في علم الله، وذلك لما ظهر في بحثنا عن معرفة حقيقة العلم الإجمالي من أنّ العناوين الانتزاعية من قبيل عنوان (أحدهما) قالبٌ صاغه الذهن البشري على قامة فرد واحد ومتمتّع بخاصيّة الإشارة.

وإذا علمنا إجمالاً بوجود أحد الفردين في الدار، ثمّ علمنا بخروج ذاك الفرد من الدار، واحتملنا دخول الفرد الآخر مقارناً لخروج الأوّل أو قبل دخوله، لم يجر ـ أيضاً ـ استصحاب الكلّي؛ لأنّ علمنا بخروج ذاك الفرد على إجماله يعني العلم بزوال طرف الإشارة، وهذا يعني انتقاض اليقين باليقين.

وقد يستنتج من هذا الكلام الذي ذكرناه أنّ استصحاب الكلي في القسم الثاني دائماً يبتلي بمشكلة استصحاب الحصّة فيه، وهي مشكلة استصحاب الفرد المردّد؛ لأنّ الحصّة فيه مردّدة بين ما يقطع بزوالها وما لا يقطع بحدوثها، والعلم بالكلي متقوّم بالإشارة إلى الحصّة.

إلاّ أنّ هذا غير صحيح؛ فإنّ إشكال الفرد المردّد إنّما يرد في استصحاب الحصّة بالمعنى الذي لا بدّ له من التعيّن عند الله رغم تردّده عندنا. أمّا استصحاب عنوان (أحدهما) القابل للانطباق على كلّ واحدة من الحصّتين من دون فرض الإشارة إلى ما هو المعيّن عند الله فلا يرد عليه هذا الإشكال، فهذا العنوان من ناحية متمتّع بالإشارية بالمعنى الذي يكفي في تقوّم العلم، ومن ناحية اُخرى ليس له تعيّن عند الله، وتردّد عندنا حتى يبتلي استصحابه بإشكال استصحاب الفرد المردّد.