المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

361

الإشارة الحسّيّة والخارجية للإشارة إلى الاُمور الخارجية، وقد وضعت أسماء الإشارة لهذا المعنى الإشاري، وكذلك الأعلام وضعت للمفاهيم بما هي مشيرة إلى الخارج، وهذا هو الجزئي، حيث تكون هذه الصورة والمفهوم المشار به إلى الخارج والملحوظ بهذا النحو من الاستعمال الذهني مختصّاً وغير قابل للانطباق على كثيرين ولو بالفرض؛ لأنّ المفهوم أُخذ مشيراً إلى الخارج والواقع الذي هو عالم التشخّص، فيكون مثل هذا المفهوم جزئياً لا محالة.

2 ـ إنّ الصورة الذهنية كما قرأنا في المنطق على قسمين: تصوّر وتصديق، والتصديق من صميمه أن يكون صورة إشارية إلى متعيّن في الخارج أو في لوح الواقع، كما في الملازمات الواقعية، بحيث لا يمكن فرضه من دون الإشارة، ولهذا كانت كاشفيّته ذاتية كما يقولون. وهذا بخلاف التصوّر، فإنّه لم يؤخذ في صميمه أن يكون مستعملاً بنحو الإشارة إلى متعيّن. إذن فالعلم قوامه بالإشارة، ولولاها لما كان علماً. وبهذا يكون العلم دائماً جزئياً.

3 ـ إنّ تعدد العلوم بتعدّد أداة الإشارة مع وجود الإشارة أعني بتعدد المفاهيم التي بها يشار إلى الخارج، فإذا جمعنا في لحاظنا بين مفاهيم عديدة وأشرنا بها إلى الموجود المتعيّن في الخارج، كانت هنالك علوم بعدد المفاهيم، والتي هي أدوات استعملت للإشارة، ودليل ذلك ما نجده من أنّ زوال بعضها لا يستدعي زوال العلم بلحاظ الباقي، فمثلاً لو علمنا بوجود شيء في الدار، وتصوّرنا أنّه حيوان ناطق، أي: اشرنا إليه بمفهومي الحيوانية والناطقية وبعد ذلك وجدنا أنّه ليس بناطق، بل صاهل مثلاً، كان علمنا بحيوانيّته باقياً على حاله لم يعتره الشكّ، ولو علمنا مثلاً بأنّ هنالك إنساناً طويلاً أبيض البشرة هو زيد، فإنّ هذا مجموعة علوم ـ ولو مجتمعة منضمّة ـ لا ينتفي كلّها لو التفتنا بعد ذلك إلى خطئنا في تخيّل بياض البشرة، بل يبقى علمنا بالإنسان والطويل على حاله.

أمّا إذا جردّنا أداة الإشارة عن نفس الإشارة فلا يمكن أن نجعلها علماً في قبال الإشارة، بل ارتفاع الإشارة معناه زوال العلم وارتفاع اليقين؛ لما قلنا في الأمر السابق من أنّ اليقين قوامه الإشارة.

إذا عرفنا هذه الاُمور الثلاثة قلنا في المقام: إنّ دليل الاستصحاب يعبّدنا فيما إذا علمنا بشيء أي: كانت لدينا إشارة بمفهوم تصديقي إلى الخارج المتيّقن، ثمّ شككنا في بقاء طرف هذه الأشارة والذي استعمل الذهن المفهوم للتأشير نحوه ببقاء ذلك الطرف، وأنّ الإشارة كأنّها باقية، فتترتّب الآثار الشرعيّة والعمليّة. وأمّا إذا علمنا بزوال طرف الإشارة وارتفاعه فهذا ليس ممّا يشمله دليل الاستصحاب؛ لأنّ هذا هو نقض اليقين باليقين كما لا يخفى.