المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

360

يكن تفصيلياً، بل إجمالياً، كما إذا علمنا بدخول زيد أو عمرو إلى المسجد، وعلمنا بخروج الداخل في الآن الأوّل مع احتمال بقاء الكلّي في ضمن الآخر، فيقال: إنّ علمنا هنا بالجامع منذ البدء لا الفرد، فليجرِ الاستصحاب هنا.

ولتوضيح حال هذين الإشكالين بنحو يرتفع الغموض وينجلي المقصود بتمام حدوده ينبغي أن نقدّم أموراً ثلاثة:

1 ـ إنّنا قرأنا في المنطق الجزئي والكلي، وعرفنا أنّ الجزئي يعني الصورة التي يمتنع بحسب نفس تصوّرها في الذهن فرض صدقها على كثيرين، والكلّي يعني الصورة الذهنية التي لا يمتنع بحسب نفس تصورها فرض صدقها على كثيرين. وهذا مطلب صحيح، إلاّ أن الذي ليس بصحيح هو أنّهم جعلوا الجزئية والكليّة بلحاظ المفاهيم، وقسّموها إلى طائفتين: جزئية، ويمثّل لها بالأعلام وبأسماء الإشارة ونحوها، وكلّيّة، وهي التي تعبّر عن الطبائع ونحوها من المفاهيم العامّة. وهذا غير صحيح:

ذلك أنّ المفاهيم بما هي مفاهيم لا تكون إلاّ كلّية، ومهما نضيف مفهوماً إلى مفهوم ونجمع بينها لا نصل بالتالي إلى الجزئي. نعم قد ينحصر المصداق لمجموع المفاهيم التي ضممنا بضعها إلى بعض في واحد باعتبار التقييد والتضييق، غير أن هذا لا يجعلها جزئياً يمتنع صدقه على كثيرين ولو بالفرض؛ إذ من الواضح أنّه لا يمتنع فرض مصداق وفرد آخر تنطبق عليه هذه المفاهيم على حدّ ما تنطبق على الأوّل، فلو لاحظنا المفاهيم التي نتلقّاها من زيد مثلاً فنرى أنّها عبارة عن الإنسانية مع الطول والبياض، وأنّه ابن عمرو مثلاً، وأنّه ولد في يوم كذا وفي مكان كذا إلى غير ذلك، وواضح أنّ هذه المفاهيم جميعها كلّيّة، وضمّ بعضها إلى بعض لا يؤدّي إلى الجزئية وإن أدّى إلى تضييق في دائرة أفرادها العقلية من الخارج، بل قد يؤدّي إلى انتفائها، لكنّ ذلك لا يعني الجزئية كما هو واضح، إذن، فما هو الجزئي؟! وهل يمكننا أن نقول: إنّ زيداً وعمراً وبكراً وخالداً من الجزئيات ليست بجزئية؟!

الواقع: أنّ الجزئية ليست من خصائص المفهوم والصورة المنطبعة في الذهن، وإنّما هي من شؤون نحو استعمال الذهن وملاحظته للمفهوم والصورة المنعكسة فيه، فإنّ الذهن البشري زوّد من الله تعالى بفعّالية يتمكّن على أساسها أن يلحظ الصورة والمفهوم بما هو هو وبالمعنى الاسمي، أي ينظر إلى نفس المفهوم مستقلاً، وهذا يكون كلّياً، أو أن يلحظه بنحو الإشارة به إلى الخارج والحصّة في عالم تحقّقها ـ عالم الخارج أو عالم لوح الحقيقة الذي هو أوسع من عالم الخارج ـ فيأخذ الذهن المفهوم أداة إشارة وإضافة إلى الحصّة، كما يستعمل الإنسان