المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

338

يكون مقطوع الارتفاع، بل نجريه في العنوان الإجمالي الانتزاعي لإثبات أثر الفرد بالعلم الإجمالي؛ لأنّه في هذه الصورة لا يعلم بارتفاع أحد الحكمين بالتفصيل كما في الصورة الاُولى، فلا وجوب الصدقة معلوم الارتفاع، ولا وجوب الصلاة، فكلّ منهما محتمل عند المكلّف، ومعه يمكن للمولى أن لا يرفع يده عن الواقع، ويحافظ عليه على كلّ تقدير، فيكون العلم الإجمالي التكويني أو التنزيلي المتمثّل في الاستصحاب منجّزاً لكلا الحكمين(1). والعلم بعدم وجود أحد الحكمين إجمالاً في الآن الثاني لا يمنع عن التنجيز، فإنّ العلم الإجمالي بالترخيص وعدم الحكم لا يمنع عن تنجيز العلم الإجمالي بالحكم، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر، فإنّ العلم بالطهارة وعدم لزوم الاجتناب بالنسبة لأحد الطرفين لا يمنع عن تنجّز التكليف المعلوم، ولزوم الاجتناب عن كلا الطرفين.

4 ـ أن يكون الحكم واحداً، ويكون موضوعه مردّداً معلوماً بالإجمال، كما لو علمنا بأنّ وجود زيد أو وجود عمرو في المسجد موضوع لوجوب الصدقة، وعلمنا بدخول أحدهما فيه في الآن الأوّل، والمفروض العلم تفصيلاً بخروج زيد لو كان هو الداخل.


(1) لا يخفى؛ أنّ استصحاب الجامع الانتزاعي لإثبات أثر الفرد كان يرد عليه في الصورة الاُولى اعتراضان:

1 ـ أنّ العلم الإجمالي التعبّدي الذي يتولّد من هذا الاستصحاب لا يكون مؤثّراً في تنجيز آثار الفرد؛ لأنّ أحد طرفيه ـ وهو أثر الفرد القصير ـ غير قابل للتنجيز للعلم الوجداني التفصيلي بانتفائه.

2 ـ لو قبلنا أنّ هذا العلم الإجمالي التعبّدي بإمكانه أن ينجّز أثر الفرد الآخر ـ وهو الفرد الطويل ـ لوحده رغم عجزه عن تنجيز الطرف الأوّل، قلنا: إنّ الأصل المؤمّن في طرف الفرد الطويل يصبح مانعاً عن تأثير العلم الإجمالي، بناءً على اقتضاء العلم الإجمالي للتنجيز؛ لأنّ هذا الأصل المؤمّن لا معارض له، فهو يمنع المقتضي عن التأثير، ويعارض استصحاب الجامع، ويتساقطان بناءً على علّيّة العلم الإجمالي للتنجيز.

أمّا في هذه الصورة الثالثة، فالاعتراض الأوّل لا يرد؛ لأنّ شيئاً من الحكمين ليس مقطوع الانتفاء. فحكم الفرد القصير لو ميّزناه عن الحكم الآخر بإضافته إلى موضوعه ـ وهو الفرد القصير ـ وإن كان مقطوع الانتفاء، لكن حينما نميّزه عن الحكم الآخر بإضافته إلى متعلّقه فحسب، أي: بعنوان وجوب الصدقة ووجوب الصلاة، فشيء منهما ليس مقطوع الانتفاء، فهما يتنجّزان بهذا العلم الإجمالي التعبّدي، ولكن الاعتراض الثاني يرد في المقام؛ وذلك لأنّ الأصل المؤمّن عن كلّ من الحكمين لو مَيّزنا أحدهما عن الآخر بمجرد الإضافة إلى المتعلّق وإن كانا متعارضين، فالبراءة عن وجوب الصدقة مثلاً تعارض البراءة عن وجوب الصلاة، ولكنّنا لو ميّزنا أحدهما عن الآخر بالإضافة إلى موضوعه، فالأصل المؤمّن عن حكم الفرد الطويل لا يعارضه الأصل المؤمّن عن الحكم الآخر؛ لأنّ الفرد القصير مقطوع الارتفاع، فيصبح هذا الأصل مانعاً عن تأثير العلم الإجمالي بناءً على الاقتضاء، ومعارضاً لاستصحاب الجامع بناءً على العليّة. فلعلّ ما ورد في المتن من التفريق بين هذه الصورة والصورة الاُولى، وأنّ الاستصحاب حتّى لو لم يتمّ في الصورة الاُولى يتمّ في هذه الصورة، كان مبنيّاً على قصر النظر على الاعتراض الأوّل، والغمض عن الاعتراض الثاني.