المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

289

حجّة، لكنّها لا ترفع موضوع جريان الاستصحاب حين الصلاة، وهو الشكّ في الطهارة حتّى تحكم عليه، وإنّما ترفع الشكّ في حجّيّة الاستصحاب، وتبدّله إلى العلم التعبّدي بعدم الاستصحاب مثلاً، كما أنّ دليل الاستصحاب أمارة توجب العلم التعبّدي بعدم قاعدة الفراغ، ويتعارضان.

وإن كان الوجه في تقدّم القاعدة على الاستصحاب هو الأخصّية أو ما بحكمها ـ وهو الصحيح ـ، فالقاعدة تقدّم هنا على الاستصحاب بوجوده المستمرّ، فإنّ المفروض أنّ دليلها أخصّ من دليل الاستصحاب، وخصص به الاستصحاب، فيرفع اليد عن هذا الاستصحاب بلا فرق بين حالة حدوثه وحالة بقائه، وعندئذ ترتفع الثمرة من البين؛ إذ على أيّ حال تصحّ الصلاة بقاعدة الفراغ سواء قلنا بجريان الاستصحاب عند الشكّ التعليقي أو لا.

ثمّ إنّ المحقّق العراقي(رحمه الله) ذكر هنا فرعاً آخر، وهو: أنّه لو كان عالماً بالطهارة ثمّ شكّ في بقاء الطهارة، ثمّ غفل وصلّى، وبعد الصلاة حصل له العلم بأنّه قبل الصلاة قد تواردت عليه حالتان: الطهارة والحدث، فبناءً على أنّ الاستصحاب يجري في موارد الشكّ التقديري تصحّ صلاته؛ لأنّه كان في حال الصلاة متطهّراً بالطهارة الظاهريّة، وبناءً على عدم جريانه لا تصحّ الصلاة لعدم ثبوت الطهارة له في الصلاة، لا واقعاً ولا ظاهراً(1).

وإنّما فرض(قدس سره) أنّه شكّ أوّلاً في الطهارة ثمّ غفل، ولم يفرض الغفلة رأساً كي لا تكون الصلاة مورداً لقاعدة الفراغ، وتصحّ على كلّ حال(2)؛ إذ مع فرض الغفلة رأساً يكون شكّه شكاً حادثاً بعد الصلاة، فتجري فيه قاعدة الفراغ، وأمّا إذا كان شاكّاً أوّلاً ثمّ غفل، ثمّ شكّ، فهذا الشكّ هو نفس الشكّ الحادث قبل الصلاة، والعرف لا يرى استحالة إعادة المعدوم.

وإنّما فرض(قدس سره) حصول العلم بعد الصلاة بتوارد الحالتين، لا بأنّه كان محدثاً؛ لأنّه لو علم بعد الصلاة بأنّه كان محدثاً لم يكن هناك موضوع لتوهّم كفاية ما كان له عند الصلاة من استصحاب الطهارة؛ لأنّ الاستصحاب ليس إلاّ حكماً طريقياً، وقد انكشف خلافه، والطهارة عن الحدث شرط واقعي. وهذا بخلاف فرض العلم بتوارد الحالتين، فإنّ هذا الحكم الطريقي لم ينكشف عندئذ خلافه بعد الصلاة.

إلاّ أنّك ترى ـ بغضّ النظر عن مسألة: أنّ الشكّ عند طروّ الغفلة هل يعتبر تقديرياً أو


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 17.

(2) بعد فرض البناء على عدم اشتراط قاعدة الفراغ بالأذكرية.