المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

288

لأنّ التفكيك بين الوجود الحدوثي لهذا الاستصحاب والوجود البقائي له غير ممكن؛ لأنّ مقتضى هذا التفكيك اختصاص هذا الحكم الظاهري الاستصحابي بصورة الغفلة، وأنّه بمجرّد الالتفات يرتفع، وجعل هذا الحكم إمّا غير عقليّ أو غير عقلائي(1). إذن فهناك ملازمة بين الوجود الحدوثي للاستصحاب والجود البقائي له في المقام، وبما أنّ قاعدة الفراغ تنافي الوجود البقائي للاستصحاب تنافي لا محالة وجوده الحدوثي؛ فإنّ ما ينافي أحد المتلازمين ينافي الآخر قهراً.

وعندئذ هل نقول بتقدّم قاعدة الفراغ على الاستصحاب حال الصلاة كما نقول بتقدّمها على الاستصحاب بعد الصلاة، أو لا نقول بالتقدّم، فيتعارضان ويتساقطان؟ هذا يختلف باختلاف المبنى في وجه تقدّم القاعدة على الاستصحاب بعد الصلاة، فإن كان الوجه في ذلك كون القاعدة رافعة للشكّ؛ لكونها أمارة، فترفع موضوع الاستصحاب، وتحكم عليه، لم تتقدّم القاعدة على الوجود الحدوثي للاستصحاب؛ لأنّها إنّما ترفع الشكّ من حين وجودها، وهو ما بعد الصلاة، لا من حين الصلاة. نعم، حيث إنها ترفع موضوع الاستصحاب بعد الصلاة تدلّ بالملازمة على عدم الاستصحاب حين الصلاة؛ لما عرفت من الملازمة بين الوجود الحدوثي للاستصحاب ووجوده البقائي، لكنّ الاستصحاب حين الصلاة ـ أيضاً ـ يدلّ بالملازمة على عدم قاعدة الفراغ وهذا معنى التعارض.

ولا يقال: إنّ قاعدة الفراغ باعتبارها أمارة تحكم مداليلها الالتزامية ـ أيضاً ـ على أصل يعارضها في مورد المداليل الالتزامية.

فإنّه يقال: إنّ قاعدة الفراغ ليست من الأمارات التي تثبت مداليلها الالتزامية، فمثلاً من شكّ بعد الصلاة في أنّه توضّأ أو لا يُجري قاعدة الفراغ، لكنّه لا يبني على ما هو لازم ذلك من عدم لزوم التوضّئ للصلوات الاُخرى. نعم، دليل قاعدة الفراغ أمارة تكون مثبتاتها


(1) قد تقول: إنّ لغوية الاستصحاب بوجوده الحدوثي لولا حجّيّته بقاءً لا تثبت حجّيّته بقاءً دفعاً للغويّة، فإنّ قاعدة صون كلام الحكيم عن اللغوية إنّما تجري في أصل مفاد الكلام، لا في الإطلاق؛ لأنّ تكوّن الإطلاق مشروط بعدم اللغوية، فإذا اُلغي في مورد مّا لم ينعقد، لا أنّه ينعقد ويثبت به ما لولاه لكان الإطلاق لغواً.

والجواب: أنّ الكلام في المقام لم يكن في انعقاد الإطلاق وعدمه كي يرد هذا الإشكال؛ فإنّ الإطلاق في دليل الاستصحاب في حدّ ذاته منعقد في المقام، ومثبت لحجّيّة الاستصحاب بحصّته الحدوثية والبقائية، ولا لغويّة في ذلك، وإنّما الكلام يكون في أنّ قاعدة الفراغ التي ثبتت بدليل منفصل لا بدليل متّصل، فلا توجب هدم الإطلاق لو منعت عن الحصّة البقائية للاستصحاب لا متنعت الحصّة الحدوثية أيضاً؛ لأنّ وجودها بلا بقاء لغو، فالتنافي سار إلى الحصّة الحدوثية.