المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

284

 

 

 

جريان الاستصحاب عند الشكّ التقديري:

 

التنبيه الثاني: في جريان الاستصحاب عند الشك التقديري وعدمه. فلو علم بشيء ثمّ غفل عنه، وكان حاله بحيث لو التفت إليه لشكّ، فهو الآن متيقّن بذلك الشيء وإن لم يكن ملتفتاً الى يقينه، فإنّ اليقين قد تركّز في أعماق نفسه. وأمّا الشك فليس موجوداً حتّى بالوجود الارتكازي الإجمالي؛ إذ لم يلتفت أوّلاً ليحصل له الشكّ ثمّ يبقى الشكّ مرتكزاً في أعماق نفسه، وإنّما له شكّ تقديري، أي: لو التفت لشكّ، ففي مثل هذا المورد هل يجري الاستصحاب أو لا؟ قالوا بعدم جريان الاستصحاب، وذكروا لذلك وجهين:

الوجه الأوّل: وجه ثبوتي جاء في كلمات جملة منهم كالمحقّق الخراساني(1) والمحقّق


وأمّا الثالث، فمع فرض الكناية أقلّ ما يرد عليه عدم تماميّة الإطلاق لدى الكناية، والقدر المتيقّن هو قيام الاستصحاب مقام العلم الطريقي، ومع فرض المطابقة وحمل السلب على النفي، والنقض على النقض الحقيقي، أقلّ ما يرد عليه: أنّ حمل السلب في الحديث على النفي خلاف الظاهر.

هذا. وقد مضى عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) الإيراد على الوجه الأوّل، وهو حمل الحديث على إرادة التحريم والتمسّك بإطلاق النقض: بأنّ نقض آثار اليقين الموضوعي نقض لليقين باليقين الناشئ من الشكّ، وليس نقضاً لليقين بالشكّ؛ لأنّ الشكّ أوجب اليقين بزوال موضوع الحكم؛ لأنّ المفروض أنّ موضوع الحكم كان هو اليقين وقد زال قطعاً، ولو جعل للاستصحاب فهذا جعل جديد.

وقد تقول: إنّ هذا الإشكال لا يوجب الفرق بين آثار اليقين الموضوعي واليقين الطريقي؛ لأنّه في مورد اليقين الطريقي أيضاً يمكن أن يقال: إنّ التنجيز أو التعذير قد يكون موضوعه اليقين، ويزول بزواله يقيناً، وإثباته بسبب الاستصحاب إثبات جديد، فإن حمل نقض اليقين بالشكّ على ما يشمل نقض اليقين باليقين الناشئ من الشكّ، فليكن الأمر كذلك بلحاظ اليقين الموضوعي والطريقي معاً.

إلاّ أنّ هذا النقاش إنّما يرد لو فرض تفسير الحديث بنقض آثار ذات اليقين، أمّا لو فرض تفسيره بما يقوله الشيخ النائيني(رحمه الله) من إرادة نقض آثار المتيقّن والذي صحّت نسبته إلى اليقين حقيقة باعتباره هو المحرّك نحو المتيقّن، يكون الفرق بين أثر اليقين الموضوعي وأثر اليقين الطريقي واضحاً، فأثر اليقين الموضوعي لم ينقض لدى الشكّ إلاّ باليقين بزوال الموضوع، ولكن أثر اليقين الطريقي الذي هو في روحه أثر المتيقّن يكون بلحاظ المتيقّن نقضه نقضاً بالشكّ، إذ لا يقين بزوال المتيقّن.

(1) راجع حاشية المحقّق الخراساني(رحمه الله) على فوائد الاُصول: ص 174 ـ 175 بحسب طبعة مكتبة بصيرتي.