المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

267


الوجه الثاني: أنّه توجد لدينا بعض المصاديق للطهارة والنجاسة بحيث لا يحتمل أن نفسّرها على أساس تفسير قضيّة تكوينيّة وواقعيّة، ولا بدّ أن نفسّرها على أساس تفسير قضيّة جعليّة واعتباريّة، مثاله: ولد الكافر إن لم نقل: إنّ نجاسة الكافر ليست إلاّ قضيّة اعتباريّة لا قضيّة تكوينيّة خارجيّة، فولد الكافر ملحق بأبيه، ولنفرض أنّنا أخذنا هذا الولد وأتينا به إلى بلادنا وأبعدناه عن أبيه، لكنّه ما دام صغيراً لم يبلغ الحلم هو بحكم الشريعة ملحق بأبيه ويحكم عليه بالكفر، فهو نجس، ثمّ صادف أنّ أباه هناك في بلاده أسلم لسبب من الأسباب حيث رأى أدلّة الإسلام واعتقد بها، فأسلم، وبمجرّد أن أسلم أصبح هذا الولد طاهراً، فهل نحتمل أنّ هناك خصوصيّات تكوينيّة في هذا الولد، وقذارة واقعيّة فيه باعتباره كافراً مسيحيّاً، وبمجرّد أن أسلم أبوه تبدّلت تلك الخصوصيّات التكوينيّة، وأصبح نظيفاً؟! هذا لا نحتمله، فهذه الطهارة والنجاسة هي حتماً طهارة ونجاسة جعليّة.

الوجه الثالث: أنّه ماذا تقولون في الطهارة الظاهريّة والنجاسة الظاهريّة؟! فمن الواضح أنّ الطهارة الظاهريّة والنجاسة الظاهريّة جعليتان، ولا يمكن أن تكونا تكوينيّتين، فإنّ الحكم الظاهري حتماً جعلي يجعله الشارع، ولا يمكن أن يكون شيئاً حقيقياً واقعياً وخارجياً.

مناقشة استدلال السيّد الخوئي:

ونحن نبدأ في مناقشتنا مع السيّد الخوئي(رحمه الله) بهذا الوجه الثالث، وهذا الوجه الثالث إن كان هذا الظاهر الموجود في التقرير مقصوداً، فهو واضح البطلان، فلا أحد يقول: إنّ الحكم الظاهري هو شيء حقيقي وواقعي وتكويني، وحتّى الشيخ الأنصاري ـ إن صحّ ما نسب إليه من أنّ الطهارة والنجاسة أمران تكوينيان ـ هو حتماً يعترف أنّ إثباتهما الظاهري إثبات جعلي، ومعنى كون الحكم ظاهرياً هو: أنّ المولى فرض واعتبر ظاهراً تحقّق ذاك الشيء، فاستصحاب بقاء الحياة مثلاً يعني: اعتبار الحياة وجعلها ظاهراً، ولكن الحياة ليست شيئاً اعتبارياً جعلياً، بل هي شيء تكويني نحكم ببقائه ظاهراً، وهذا الحكم اعتباري جعلي، إنّما الكلام في المستصحب وهو الحياة، هل هو تكويني أو اعتباري، ونقول: لا شكّ في كونه تكوينياً، كذلك في ما نحن فيه حينما نبحث أنّ الطهارة والنجاسة هل هما أمران واقعيان أو أمران مجعولان، نتكلّم في أصل الطهارة والنجاسة، ولا نتكلّم في إثباتهما الظاهري، فإثباتهما الظاهري حتماً إثبات جعلي اعتباري، ككلّ حكم ظاهري ولو كان متعلّقاً بأوضح الاُمور تكوينيّةً.

وأمّا الوجه الثاني، وهو النقض بالكافر أو بولده، فهذا قد يثبت أنّه إذن بعض النجاسات تكون نجاستها اعتباريّة، لكن هذا لا يثبت على الإطلاق أنّ النجاسة والطهارة أمران اعتباريان جعليان، وإن شئت فقل: لعلّ الطهارة والنجاسة بالأصل أمران حقيقيّان واقعيّان وثابتان في أكثر موارد الطهارة والنجاسة، ولكن في بعض الموارد اتّفق أنّ هذا الشيء الواقعي فرضه المولى فرضاً واعتبره اعتباراً، أو نزّل ذاك الشيء الآخر منزلة هذا تنزيلاً لحكمة مّا، فالكافر مثلاً فرضه المولى بمنزلة الكلب في النجاسة لحكمة إبعاد المسلمين عن الكفّار، وعدم اكتسابهم من قذاراتهم المعنوية، فلا يمكن أن يكون بعض موارد النقض دليلاً شاملاً يدلّ على أنّ الطهارة والنجاسة بشكل عامّ أمران جعليّان.

وأمّا الوجه الأوّل، وهو: أنّ الكلمات التي تصدر من المشرّع يجب أن تحمل على أنّها صدرت من المشرّع بما