المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

265


الأحكام الوضعيّة والأحكام التكليفيّة؛ وذلك لأنّ الأحكام الوضعيّة على قسمين: إمّا هي أحكام مجعولة مستقلّة، إذن هي عائدة إلى الشارع. وإمّا أن تكون منتزعة فأيضاً هي وباعتبارها منتزعة تعود إلى الشارع، فتستصحب. نعم، هناك استصحاب حاكم على هذا الاستصحاب، فهو لا يجري لا لأنّ هناك خللاً في هذا الاستصحاب، وإنّما لوجود الحاكم فمثلاً، إذا شككنا في سقوط السورة عن الجزئيّة يمكن أن نستصحب جزئيّة السورة، لكن استصحاب وجوب الصلاة مع سورة حاكم على استصحاب جزئيّة السورة؛ لأنّ ذاك استصحاب لمنشأ انتزاعي يحكم على استصحاب الأمر المنتزع. هذا ما يقوله السيّد الخوئي(رحمه الله)(1).

وهذا الكلام ـ أيضاً ـ بهذا المقدار شبيه بكلام الشيخ العراقي، وهذا الكلام لا يقنع، فنحن يجب أن نرى: أنّه هل حقّاً لدينا استصحابان: استصحاب لوجوب الصلاة مع السورة، واستصحاب لجزئيّة السورة، بحيث نقول: بما أنّ ذاك حاكم على هذا، فمن باب الحكومة لا يجري الثاني، ولو ابتلى ذلك بمعارض فسقط جرى الثاني، أو لا يوجد في المقام إلاّ استصحاب واحد، ولا يوجد استصحابان أصلاً؛ لعدم وجود أثر عملي لاستصحاب الجزئيّة لو لم نرجعه إلى استصحاب وجوب الصلاة مع سورة؟ والصحيح هو الثاني، فبعد أن فرض أنّ جزئيّة السورة مثلاً لم تكن موضوعاً لوجوب الاتيان بها، وإنّما كانت أمراً منتزعاً من وجوب الصلاة مع سورة، ووجوب الصلاة مع سورة هو الذي يرتبط رأساً بالوجوب العقلي للامتثال بالإتيان بمتعلّقه وهو الصلاة مع سورة، فأيّ أثر عمليّ يترتّب على هذا العنوان الانتزاعي، وهو الجزئيّة أو على استصحابه؟! وعليه، فلا معنى أصلاً لاستصحاب الجزئيّة إلاّ بإرجاعه إلى استصحاب وجوب الصلاة مع سورة، وإذا عجز عن الجزء وكان الهدف من استصحاب الجزئيّة إثبات سقوط الواجب عنه فلامعنىً ـ أيضاً ـ لاستصحاب الجزئيّة إلاّ بإرجاعه إلى استصحاب عدم وجوب الفاقد لذلك الجزء، ولا بأس بأن نسمّي ذلك باسم استصحاب جزئيّة السورة، لكن ليس هناك استصحابان أحدهما حاكم على الآخر، وإن كان هذا غير ذاك فلا أثر عملي له أصلاً، فلا قيمة لاستصحاب الجزئيّة بهذا الشكل.

تبقى كلمة مختصرة حول الشرطيّة والسببيّة والمانعيّة للوجوب، فمثلاً زوال الشمس كان سبباً للصلاة والآن شككنا: هل إنّ زوال الشمس لا زال سبباً لوجوب الصلاة أو لا، فأردنا أن نستصحب السببيّة، وهذا الاستصحاب ـ أيضاً ـ يجب أن يرجع إلى استصحاب وجوب الصلاة إذا زالت الشمس، إلاّ أنّ هذا في غير الموارد التي ترجع إلى استصحاب عدم النسخ يكون من سنخ الاستصحاب التعليقي؛ إذ معنى ذلك: أنّه في ما مضى إذا كانت الشمس تزول كانت الصلاة تجب، والآن ـ أيضاً ـ كذلك وبناءً على قبول هذا النمط من الاستصحاب التعليقي يتمّ هذا الاستصحاب، وهذا راجع إلى ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في محلّه من بحث الاستصحاب التعليقي.

وقبل أن نُنهي الحديث عن استصحاب الأحكام الوضعيّة الانتزاعيّة لا بأس بالإشارة إلى أنّ ما انتهينا إليه من عدم جريان الاستصحاب في تلك الأحكام قد يؤدّي إلى ثمرة عمليّة في بعض الأحكام الوضعيّة المردّد أمرها بين كونها مجعولة جعلاً استقلاليّاً أو منتزعة من الأحكام التكليفيّة، فمثلاً في باب الملكيّة لو قلنا بأنّها مجعولة جعلاً مستقلاًّ وأنّها جعلت موضوعاً للأحكام التكليفيّة، فلدى الشكّ في بقاء الملكيّة يكون جريان الاستصحاب في


(1) راجع مصباح الاصول: ج 3، ص 88 ـ 89 بحسب طبعة مطبعة النجف