المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

263


طرفاً لهذه الإضافة، إضافة الصلاة إلى الوضوء، وكون كلام الآدمي مانعاً يعني: أنّه طرف لهذه الإضافة، وهذه الطرفيّة كانت قبل الأمر. إذن الشرطيّة والمانعيّة ثابتة قبل الأمر، وليست منتزعة من الأمر. نعم، بالإمكان أن يضاف إلى المأمور به فيقال هذا شرط المأمور به، أي: إنّ انتسابه إلى المأمور به يكون في طول الأمر، وهذا من قبيل نسبة المكان إلى الصلاة المأمور بها، حيث نقول: إنّ المكان(المسجد) هو مكان الصلاة المأمور بها، وهذا في طول الأمر فلو لم تكن الصلاة المأمور بها لم يكن المسجد مكاناً للصلاة المأمور بها، لكن ياترى هل إنّ مكانيّة المسجد للصلاة انتزعت من الأمر؟! طبعاً لا، فإنّ المكان الذي يصلّى فيه يكون مكاناً للصلاة، أو الزمان الذي يصلّى فيه يكون زماناً للصلاة سواء تعلّق به الأمر أو لا. نعم، بعد أن يتعلّق به الأمر يصبح ذاك الزمان زمان الصلاة المأمور بها، فبهذا المعنى يرتبط بالواجب بما هو واجب، فإن كنتم تقولون بهذا المعنى: أنّ الوضوء شرط للواجب بما هو واجب فهو صحيح، فإنّ الوضوء إنّما صار شرطاً للواجب بسبب كونه واجباً؛ لأنّ الصلاة أصبحت واجبة، ولو لم تكن الصلاة واجبة إذن الوضوء لا يكون شرطاً للواجب، ولكن هذا لا يعني أنّ أصل الشرطيّة للصلاة منتزعة من الأمر، هذا بالنسبة للشرط والمانع، فأصل الشرطيّة والمانعيّة غير منتزعة من الأمر، وإنّما هي منتزعة من نفس ذاك التقيّد الموجود، أو من الملاك أو المصلحة الموجودة في الصلاة المقيّدة بالوضوء قبل الأمر، وهذا بخلاف الجزئيّة فإنّها ليس مرجعها إلى التقييد والتحصيص، كما هي في الشرطيّة والمانعيّة، فإنّ الجزئيّة لو أرجعناها إلى التقييد والتحصيص لما بقي فرق بين الجزئيّة والشرطيّة، وصار الجزء شرطاً، في حين أنّ الجزئيّة غير الشرطيّة، فالجزئيّة ليس مرجعها إلى التقييد والتحصيص الذي يكون أمراً ذهنياً بحتاً، والذي يكون ثابتاً قبل الأمر، وإنّما الجزئيّة مرجعها إلى التوحيد لا إلى التقييد، أي: إنّ هناك توحيداً بين الإجزاء، فإنّ الأجزاء يوحّد بينها فيصبح العمل مركّباً، فيصبح هذا جزءً، والتوحيد بين أجزاء الصلاة لا يمكن إلاّ بنفس الأمر؛ فإنّه لولا الأمر فالأجزاء هي أجزاء متبعثرة متناثرة، فالفاتحة شيء، والركوع شيء، والسجود شيء، ولا تتوحّد إلاّ بوحدة الأمر، أو وحدة الإرادة، أو وحدة الحبّ، فهذا الحبّ أو هذه الإرادة التي جاءت وشملت الكلّ جعل الكلّ شيئاً واحداً.

والخلاصة: أنّ هناك فرقاً كبيراً بين التحصيص والتوحيد، فتحصيص الفاتحة بالسورة ينتج الفاتحة المقترنة بالسورة، فالتقيّد جزء والقيد خارج، وتلك الحصّة من الفاتحة التوأم مع السورة هي التي تؤمر بها، أمّا ذات السورة فهي خارجة، هذا معنى التحصيص، وهذا التحصيص شُغل الذهن لا يحتاج إلى الأمر، ولا يحتاج أن يتوحّد الحمد مع السورة، أمّا التوحيد بينهما فلا يمكن أن يكون توحيداً حقيقياً، إنّما التوحيد يكون بواسطة الأمر، فبما أنّ المجموع أصبح مأموراً به، ولم يكن الحمد وحده مأموراً به، ولا السورة وحدها مأموراً بها، صارت السورة جزءً، فحينما نقول: إنّ السورة جزء يعني ذلك: أنّها جزء للمأمور به، وليس لذلك معنىً آخر. فإذن الجزئيّة منتزعة من الأمر؛ إذ لولا الأمر لا معنى لكون السورة جزءً، هذه خلاصة ما ورد عن كلام الشيخ العراقي(رحمه الله).

ولكنّ هذا الفرق بين الجزئيّة والشرطيّة غير واضح لدينا بالمقدار الذي بيّنه(رحمه الله)، ونحن لو أردنا أن نفحص عالم الذهن وعالم التصوّر، وقبل عالم الأمر نستطيع أن نتصوّر بالنسبة لعالم الذهن ولما في الذهن جزءً، ونستطيع أن نتصوّر شرطاً، فالشرط هو ذاك المحصّص كما قال، يعني: نتصوّر في ذهننا الحمد: المقترن بالسورة، فتلك الحصّة التوأم تكون السورة مثلاً شرطاً لها بحيث لولا السورة لما تحقّقت تلك الحصّة. هذا في عالم الذهن وقبل الأمر،