المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

257


في المصلحة، فذات زوال الشمس ليس هو العلة، أو ذات الاستطاعة ليست هي العلّة، إنّما العلّة هي المصلحة الكامنة، وتلك علّيّة تكوينيّة بحت، ولا علاقة لها بالجعل، وليس هناك جعل مرتبط بها مباشرة كي تنتزع من ذاك الجعل المباشر، ولا تنتزع العلية من شيء آخر، أمّا نفس الاستطاعة أو نفس الزوال فإن هو إلاّ محصّصاً ومقيّداً، وفرق كبير بين المحصّص والمقيد وبين السبب والعلّة، ومعنى كون ذلك محصّصاً أنّ المولى لم ينشئ ولم يجعل وجوب الحجّ على الإطلاق، بل جعل وجوب الحجّ وجوباً ضيّقاً، وهو الوجوب المرتبط بالاستطاعة، هذا بناءً على أنّ الهيئة يمكن أن تحصّص. وإن قلنا: إنّ الهيئة لا يمكن أن تحصّص فإذن القيد يرجع إلى المادّة، ويكون الواجب هو الحجّ المقيّد بالاستطاعة. والخلاصة: أنّ في مرحلة الجعل لا سببيّة للموضوع، إنّما السببية للملاك، وسببيّة الملاك تكوينيّة بحت، ولا علاقة لها بالجعل أصلاً.

هذا ما يقوله الشيخ العراقي(رحمه الله)، ويفسر كلام اُستاذه الشيخ الخراساني بهذا التفسير، في حين أنّ القائلين بأنّ الاستطاعة سبب، أو أنّ زوال الشمس سبب، والباحثين عن أنّ هذه السببيّة هل لها حصّة من الجعل أو أنّها منتزعة من جعل مّا لم يكونوا يقصدون هذه المرحلة، وهي مرحلة الجعل ومن الواضح أنّ في مرحلة الجعل ليس الموضوع إلاّ محصّصاً، بل ينظرون إلى تلك المنطقة أو إلى تلك المرحلة التي قلنا على سبيل الإجمال: إنّنا لا نشكّ فيها وان كان وقع بحث في فهم حقيقة تلك المرحلة، وهي ما سمّاه الشيخ النائيني بمرحلة الفعليّة، وقد يسمّيه آخر بمرحلة الفاعليّة، وآخر بمرحلة الطرفيّة، فيقال: إنّ زوال الشمس سبب لتحقّق تلك المرحلة، وما لم تزل الشمس لم تتحقّق تلك المرحلة، أو ما لم تتحقّق الاستطاعة لم تتحقّق تلك المرحلة. أمّا ما هي طبيعة هذه السببيّة، وما لون هذه السببيّة؟ فالجواب: أنّ هذه السببيّة تتلوّن بلون تلك المرحلة وتلك المنطقة، وقد تختلف هويّتها إلى حدٍّ مّا باختلاف ما نؤمن به في تلك المنطقة، فمن يؤمن في تلك المنطقة بحدوث أمر تكويني يسمّيه بالفعليّة، ويقول: إنّ المولى جَعَلَ الجعل ثمّ ترك الأمر، ثمّ هذا الجعل يصبح فعليّاً تكويناً. إذن، هذه السببيّة سببيّة تكوينيّة. ولو قلنا: إنّ هذه المرحلة ليست من مراحل التأثيرات التكوينيّة، وإنّما هي من مراحل الاُمور الإضافيّة، وكون هذا المكلف طرفاً لذاك الجعل من سنخ ما لو دخلنا هذه الغرفة و أصبح السقف فوقنا، فتحقق هذه الفوقية التي هي شيء اضافي ليس معناه أنّ دخولنا في هذه الغرفة أثّرَ أثراً تكوينيّاً فينا، أو في السقف، وإنّما أثّرَ أثراً إضافياً، وأصبح هذا الدخول سبباً لهذا الأمر الإضافي، فهذا الذي أثّر بالمعنى الذي يتصوّر في الإضافيات في خلق الاُمور الإضافية بنفس المعنى يتصوّر أيضاً في ما نحن فيه، فدلوك الشمس أو الاستطاعة صار سبباً في صيرورتنا طرفاً لذاك الجعل بأيّ معنىً نتصوّر السببيّة في أمثال هذه الإضافات، والتي هي تختلف عن السببيّة التكوينية من قبيل سببيّة النار للإحراق، ولو لا ذاك الجعل لم تكن هذه السببيّة. أمّا السؤال عن أنّه كيف استطاع هذا الجعل أن يخلق هذه السببيّة، أَوَليست هذه السببيّات اُموراً وأشياء من لوح الواقع ثابتة بقطع النظر عن الجعول، فكيف أصبحت الجعول تؤثّر هكذا تأثير؟! فجوابه ما أشرنا إليه من أنّ هذه الجعول عادةً تخلق المصداق لسببيّات ثابتة في لوح الواقع، أي: دلوك الشمس هو سبب بهذا المعنى من السببيّة سواءً جعل وجوب الصلاة أو لا، فدلوك الشمس سبب لطرفيّتنا لوجوب الصلاة عند الدلوك، أو لفعليّة هذا الوجوب إن كان هناك وجوب مرتبط بالدلوك، فهذه الكبرى بنحو القضية الشرطيّة والحقيقيّة ثابتة، والجعل خَلَق مصداق هذه الكبرى، والجعل في عالمه أمر تكويني وإن كان بلحاظ ما