المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

234

والمتحصّل من كلّ ما مضى: أنّ نظر الشيخ الأعظم(قدس سره) إن كان إلى فرض الهيئة الاتّصالية فتلك الهيئة وإن كان يمكن دعوى أخذها في اللفظ، بدعوى: أنّ اليقين بمعنى المتيقّن استعمل في الفرد الطويل الأمد، فيتضمّن الاتّصال، لكن الهيئة الاتّصالية لا تفيد في المقام؛ لأنّ النقض يكون في مقابل الإبرام، ويحتاج إلى الهيئة الفتليّة التي هي عبارة عن التفاف شيء بشيء لا عن الاتّصال بمعنى الامتداد. وإذا كان نظره إلى الهيئة البرميّة المفروضة مسامحة بمناسبة التلازم الاقتضائي فتلك الهيئة غير ماخوذة في الكلام.

والصحيح: ما أشرنا إليه من أنّ النقض قد اُخذ في مفهومه أمران:

أحدهما: الحلّ، فهو ليس قطعاً للاتّصال والامتداد، وإنّما هو حلّ للفتل.

وثانيهما: الشدّة والقوّة، وبهذا يفترق عن كلمة(الحلّ). وأظنّ أنّه لأجل ذلك ذكروا في اللغة: أنّ النقض خلاف الإبرام، ولم يذكروا: أنّه خلاف البرم؛ وذلك لأنّ الإبرام عبارة عن جودة البرم وإحكامه، وعندئذ يمكن استعمال كلمة(النقض) مجازاً بأحد وجهين:

الأوّل: أن يسلخ عنه العنصر الأوّل من مفهومه رأساً، ويستعمل بلحاظ العنصر الثاني فقط، واعتبارِ الشدّة والقوّة بنكتة من النكات.

والثاني: أن يلحظ كلا عنصريه، ويتحفّظ على كليهما باعتبار من الاعتبارات.

وفي تطبيق ذلك على المقام نقول: إمّا أن نبني على ما بنى عليه الشيخ الأعظم(قدس سره) من أنّ المقصود من اليقين هو المتيقّن، وإمّا أن لا نبني عليه، بل نقول: إنّ المقصود به هو اليقين وهو الحق على ما سوف ياتي إن شاء الله.

فان بنينا على الأوّل، أي: أنّ المقصود باليقين هو المتيقن قلنا: إنّ كلمة(النقض) قد سلخت في المقام عن مفهوم الحلّ رأساً، واُريد بها مطلق الرفع، وإنّما استعملت كلمة(النقض) بمناسبة العنصر الثاني وهي الشدّة والقوّة. والنكتة البلاغية في تطعيم الرفع هنا بالشدّة والقوّة واضحة، وهي: أنّ المتكلم حينما يردع عن شيء مّا يناسب أن يُبرِز المردوع عنه بأفظع صورة ممكنة، فقد عبّر عن رفع اليد عن اليقين بالنقض إبرازاً لفظاعة رفع اليد عن اليقين.

وإن بنينا على الثاني ـ أي: إنّ المقصود باليقين هو اليقين لا المتيقّن ـ فالعنصر الأوّل من مفهوم النقض ـ أيضاً ـ محفوظ في المقام؛ وذلك باعتبار ما يُرى في مفهوم اليقين من التفاف حول المتيقّن، وانفتال معه، كما هو الحال في سائر الصفات الحقيقية ذات الإضافة، وبهذه المناسبة ينسب النقض إلى العهد وإلى البيعة، فكأنّه يقول: لا تنقض اليقين ولا تفصله عن المتيقّن.