المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

212

المشكوك فيه وخروجه عنه، فجعل النجاسة إلى زمان زوال التغيّر جعل أقلّ وأضيق من جعل النجاسة لهذا الماء حتّى بعد زوال تغيّره إلى أن يتّصل بالمعتصم. وأمّا في الشبهات الموضوعيّة فالجعل الموجود في نفس المولى يكون محدّد الأطراف، ومعيّن المقدار، ولا يختلف بزيادة المصاديق وقلّتها، فإنّ الجعل إنّما طرأ على الطبيعة المعيّنة الحدود، ولم يطرأ على المصاديق كالمجعول حتّى يضيق ويتّسع بقلّة المصاديق وكثرتها.

نعم، هنا شبهة واحدة لتخيّل جريان استصحاب عدم الجعل في الشبهة الموضوعية، وهي: أنّنا وإن كنّا لو نظرنا إلى ما في نفس المولى لرأينا أنّه جعلٌ معيّن محدد لا يزيد ولا ينقص، ولكنّا لو قسنا هذا الجعل إلى المصاديق فبالإمكان أن يقال: إنّنا جازمون بأنّ المولى جعل الحكم على طبيعة شاملة للفرد الذي نعلم ببقاء فرديّته، ولكن حينما شككنا بنحو الشبهة الموضوعيّة في بقاء فرديّته وعدمه نشير إلى هذا الوجود بالذات ونقول: لا ندري هل جعل المولى الحكم على طبيعة تشمل هذا الموجود أو لا؟ فنستصحب عدمه.

والجواب: أنّنا لو لاحظنا عنوان جعل المولى للحكم على طبيعة تشمل هذا الفرد فهو مشكوك، لكنّه لا أثر له، ولو لاحظنا واقع جعل المولى الحكم على طبيعة تشمل هذا الفرد فهو: إمّا معلوم الثبوت، أو معلوم العدم، فعلى تقدير أن يكون هذا الفرد في الواقع فرداً للطبيعة يكون معلوم الثبوت. وعلى تقدير عدم كونه فرداً لها يكون معلوم العدم، وقد شككنا في أنّ أيّ التقديرين هو الصحيح. وهذا سنخ ما يقال في استصحاب الفرد المردّد، فلو علمنا مثلاً بوجود شخص في المسجد مردّد بين زيد وعمرو، ثمّ رأينا زيداً في خارج المسجد، فهنا لو لاحظنا عنوان من كان في المسجد فبالامكان أو يقال: إنّنا قد شككنا في بقاء من كان في المسجد وعدمه، فإذا كان هناك أثر شرعيّ يترتّب على ذلك جرى استصحاب البقاء. وأمّا إذا لاحظنا واقع من كان في المسجد لفرض ترتّب الأثر على الواقع لا العنوان، فهنا لا يوجد شكّ في البقاء على كلّ تقدير؛ إذ على تقدير كون ذاك الشخص هو زيد نقطع بعدم بقائه، فكيف نجري الاستصحاب؟!

التنبيه الثاني: قد سبق أنّنا اخترنا في كيفيّة تصوير الحدوث والبقاء في الحكم المستصحب(وهي منطقة الفراغ في كلام السيّد الاُستاذ) دعوى أنّ العرف ينظر إلى عنوان الحكم بالنظرة المسامحيّة، وهي نظرة الحمل الأوّلي التي يرى بها الحكم شيئاً له حدوث وبقاء، ويتخيّل أنّ عنوان الحكم هذا هو واقعه، ويرى له هذا الحدوث والبقاء بتبع ما يرى ـ أيضاً ـ من حدوث وبقاء لعنوان الموضوع بالحمل الأوّلي.