للإشكال، وذلك البيان الفلسفي الدافع للإشكال ليس صحيحاً.
على أنّه لو فرض صحيحاً كان ـ أيضاً ـ كالوجه السابق في أنّه يلزم منه عدم إمكان الاستصحاب إلاّ عند وجود الموضوع خارجاً مبتلياً بما مضى من مخالفة الارتكاز، ومن الوقوع في الإشكال في الإفتاء على أحد المبنيين بالتفصيل الذي مضى في مقام التعليق على الوجه الأوّل.
الوجه الثالث: وجهٌ لا يكون قائماً على أساس ثنائية بين الجعل والمجعول كما في الوجه الأوّل، بل نعترف بأنّه ليس للحكم وجود ثان عند تحقّق الموضوع، ولا على أساس ثنائية بين ظرف العروض وظرف الاتّصاف كما في الوجه الثاني، بل نعترف بأنّ الظرفين واحد، وأنّه يتحقّق من أوّل الأمر قبل تحقّق الموضوع خارجاً، ولا على أساس ثنائية بين العُرُوض بالذات والعروض بالعرض التي هي ثنائية صحيحة لكنها لم تفدنا في الوجه الثاني بعد التنزّل عن الصياغة الفلسفية، وإنّما نلتفت إلى ذلك العارض الذي هو اعتبار نفساني، وننظر إليه بنظرتين مختلفتين يختلف أحكامه على إحدى النظرتين عنها على الاُخرى.
توضيح ذلك: أنّنا لو تصوّرنا ونحن في يوم الاثنين مثلاً نزول المطر في يوم الجمعة الآتية، ثمّ بعد ذلك أردنا أن ننظر إلى متصوَّرنا، فتارةً ننظر إليه بنظر الحمل الشائع، واُخرى ننظر إليه بنظر الحمل الأوّلي، فإن نظرنا إليه بنظر الحمل الشائع قلنا: إنّه صورة ذهنية قامت بنفس المتصوّر في يوم الاثنين. وإن نظرنا إليه بنظر الحمل الأوّلي قلنا: إنّه نزولٌ للمطر لا في يوم الاثنين، بل في يوم ياتي بعد عدّة أيّام، وهو يوم الجمعة، فاختلفت الأحكام المحمولات بالحمل الأوّلي عنها بالحمل الشائع، وبعد الالتفات إلى ذلك نقول: إنّه لو نظرنا إلى ما اعتبره رسول الله(صلى الله عليه وآله) كالنجاسة للماء المتغيّر مثلاً بالحمل الشائع قلنا عن هذا المعتبر: إنّه اعتبار نفساني وجزء من نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقائم به، وهو شريف طاهر نقيّ وليس له حدوث وبقاء، وإنّما اعتبر نجاسةَ الماء المتغيّر في كلّ أزمنة نجاسته دفعةً واحدة. ولو نظرنا إليه بالحمل الأوّلي قلنا: إنّه قذارةٌ ونجاسةٌ قائمة بالماء القذِر المتغيّر، حادثة عند حدوث التغيّر، ولَعلّها باقية عند زوال التغيّر، فبهذه النظرة صار له حدوث وبقاء، وبكلمة أُخرى: قد ينظر إلى واقع هذا المعتبَر وحقيقته فيُرى أنّه حالة نفسية ليس لها حدوث وبقاء بلحاظ حدوث الماء المتغيّر وبقائه، وقد ينظر إلى عنوانه ويُتخيَّل مسامحةً أنّه هو واقعه فيقال: هذه نجاسةٌ للماء المتغيّر مع أنّه في الواقع ليس نجاسةً للماء المتغيّر، وإنّما هو عنوان نجاسة الماء المتغيّر، فيُرى بهذا النظر المسامحي أنّ لهذه النجاسة حدوثاً وبقاءً تبعاً لما يرى بالنظر المسامحي لعنوان الماء