المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

89

أصبح في الاُصول غير حجّة وفي الفقه حجّة، وترى الشيخ الأعظم(رحمه الله) يجعل لمثل ذلك أثراً مهمّاً في الفقه والإفتاء مع إبطاله إيّاه في الاُصول. وواقع المطلب أنّ الدافع لهم في الحقيقة إلى الإفتاء بعدّة من الفتاوى والأحكام هو تلك الحالة النفسيّة، ولكنّ التزامهم بالفنّ كان مانعاً عن ظهور ذلك لهم بوضوح، وموجباً للاستنكاف من دعوى فتوى مع الاعتراف بعدم اقتضاء الأدلّة والقواعد لها، فكان أثر هذه الحالة النفسيّة يبرز لهم في صورة الدليل، ودعوى حجّيّة الشهرة والإجماع المنقول ونحو ذلك، بينما الدليل الحقيقيّ لهم على تلك الفتاوى إنّما هو تلك الحالة النفسيّة دون هذه الأدلّة، ولذا تراهم ينكرون تلك الأدلّة في الاُصول ويعملون بها في الفقه؛ لوجود نفس الدافع السابق والدليل الحقيقيّ الكامن في النفس، فكأنّ واقع الدليل لم يبطل ولازال باقياً في النفس، وإن بطلت الأدلّة الصوريّة التي كانت في الحقيقة وليدة لواقع الدليل ولتلك الحالة النفسيّة.

إلى أن انتهى الأمر بالتدريج إلى جعل ما في الاُصول الجديد من إبطال هذه المباني مؤثّراً على الفقه، فترى السيّد الاُستاذ يبني فتاواه في الفقه على ما يقتضيه إنكار الجبر والوهن بالعمل والإعراض ونحو ذلك.

ولأجل هذه التطوّرات بدأت تلك الحالة النفسيّة تظهر في مظهر آخر وهو حجّيّة السيرة؛ ولذا ترى الاستدلال بالسيرة في ألسنة المتأخّرين عن الشيخ الأعظم(قدس سره)كثيراً، وفي لسان الشيخ الأعظم(رحمه الله)قليلاً فضلاً عمّا قبل الشيخ الأعظم(قدس سره).

هذا معنى ما قلناه: من أنّ الحاجة إلى بحث السيرة اشتدّت بعد أن بطلت عدّة مدارك للفقه، من قبيل الشهرة، والجبر والوهن بالعمل والإعراض، والإجماع المنقول. أمّا الإجماع المحصّل واتّفاق الكلّ من دعوى القطع به ليست بأهون من دعوى القطع بالحكم ابتداءً.

ونحن نبحث هنا أوّلاً السيرة، ثُمّ نبحث تلك الحالة النفسيّة، ومدى اعتبارها، وما هي وظيفتنا تجاهها.