دون لزوم عسر وحرج، وذلك لا لجريان البراءة الشرعيّة في غير المظنونات (فإنّ حكم العقل بحجّيّة الظنّ إنّما كان في طول تعارض البراءة في المظنونات بالبراءة في غيرها وتساقطها؛ لكون جريانها في البعض دون البعض ترجيحاً بلا مرجّح، وعدم إمكان جريانها في الجميع، وليست حجّيّة الظنّ هي المرجّحة للبراءة في غير المظنونات؛ لأنّها ليست هي المانعة عن البراءة في المظنونات؛ إذ البراءة في المظنونات حاكمة عليها، أي: لو جرت لما وصلت النوبة إلى حكم العقل بحجّيّة الظنّ، وحجّيّة الظنّ معلولة لعدم البراءة في المظنونات، وما في طول عدم الشيء لا يعقل مانعيّته عن الشيء)، بل لجريان البراءة العقليّة في غير المظنونات، فإنّ حكم العقل بحجّيّة الظنّ لم يكن في طول سقوط البراءة العقليّة، وإنّما حجّيّة الظنّ عقلاً تعني أنّ البراءة العقليّة لا وجود لها في المظنونات، فهي من أوّل الأمر مخصوصة بغير المظنونات وتجري فيها بلا معارض.
وأمّا إن لم نؤمن بما مضى: من تفسير قاعدة قبح العقاب بلا بيان وانبساط حقّ المولويّة عند سقوط الامتثال العلميّ على دائرة المظنونات، فقد ثبت في المقام التبعيض في الاحتياط، وهل نحن مخيّرون بين الظنّ والوهم، أو يترجّح جانب الظنّ ؟ قد مضى الكلام في ذلك.
وأمّا على المبنى الثالث ـ وهو أنّ العلم الإجماليّ بنفسه ينجّز وجوب الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة ـ: فإن قلنا بالإجماع على عدم كون مبنى الشريعة على الاحتياط، وأنّها تجعل حتماً طريقاً آخر للامتثال، ثبت أيضاً حجّيّة الظنّ على الكشف، وإلّا فالعقل يتنزّل من الإطاعة القطعيّة إلى أيّ مرتبة أقرب إلى تحصيل الواقع رفع محذور العسر والحرج، فقد يتّفق ـ مثلاً ـ أنّه لا يكفي مجرّد الإتيان بالمظنونات، بل لابدّ من ضمّ بعض المشكوكات إليها؛ لعدم لزوم العسر والحرج بذلك، وهنا أيضاً ما مضى: من تقريب الحكومة، إلّا أنّها لا تفيدنا الفائدة