المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

609

وإن قلنا بالثاني فالآية عندئذ وإن دلّت على عدم حجّيّة خبر الفاسق والنسبة بينه وبين الثقة عموم من وجه، لكن إذا لاحظنا التعليل رأينا أنّ النسبة بين التعليل ودليل حجّيّة خبر الثقة إنّما هي العموم المطلق؛ لأنّ التعليل يدلّ على عدم حجّيّة كلّ خبر غير علميّ، ومن المعلوم أنّ خبر الثقة غير العلميّ أخصّ من ذلك، فيقدّم دليل حجّيّته على هذا التعليل، وبعد هذا لا يبقى مجال للتمسّك بإطلاق الحكم المعلّل في الآية، وهو قوله: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا﴾، بدعوى أنّه يشمل الفاسق الثقة، فيعارض دليل حجّيّة خبر الثقة بالعموم من وجه؛ وذلك لأنّ المفروض أنّه ثبت بواسطة التعليل أنّ عدم الاعتماد على خبر الثقة ليس لأجل فسقه إهانة له مثلاً، وإنّما هو لعلّة كون الخبر غير علميّ، وقد فرض تقديم دليل حجّيّة خبر الثقة على هذا التعليل، ومعنى ذلك أنّه ثبت أنّ هذه العلّة لا تصلح للعلّيّة في مقابل الوثاقة، وإنّما تصلح للعلّيّة في غير فرض الوثاقة، فبضمّ هاتين المقدّمتين إحداهما إلى الاُخرى، وهما: كون العلّة في عدم الاعتماد على خبر الفاسق هي عدم العلم، وعدم صلاحيّة ذلك للعلّيّة في فرض الوثاقة، يسقط شمول إطلاق الحكم بعدم الاعتماد المعلّل بهذه العلّة لخبر الفاسق الثقة عن الحجّيّة.

وإن غضضنا النظر عن هذه النكتة التي بيّنّاها بواسطة التعليل قلنا: إنّ هذه الآية لا تصلح رادعة عن السيرة، وإنّما السيرة تكشف عن مخصّص لها، فإنّها لو صلحت للردع لوقع الارتداع، وقد أثبتنا استقرار سيرتهم في زمان الإمام(عليه السلام)على العمل بخبر الثقة الفاسق، ولا يحتمل كون عملهم به من باب العصيان. ولا تصلح الآية لإسقاط هذه السيرة مع فرض استقرارها عن الحجّيّة، فإنّها إمّا سيرة عقلائيّة، فتكشف كشفاً قطعيّاً عن رضا المعصوم؛ إذ لولا رضاه لكان يردع بمقدار يوجب ارتداع المتديّنين. وإمّا سيرة المتشرّعة وهي في طول ثبوت الحكم من قبل المعصوم، فأيضاً تكشف كشفاً قطعيّاً عن حجّيّة خبر الثقة الفاسق.