المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

549

لما استمرّوا على ترك العمل بخبر الثقة. وعلى هذا فيجب أن ننتظر وصول كمّيّة كبيرة من الأخبار إلينا تدلّ على عدم حجّيّة خبر الثقة، بينما لم تصل إلينا رواية واحدة ولو ضعيفة تامّة الدلالة بل وغير التامّة تقريباً على عدم حجّيّة خبر الثقة، بل أصبح الأمر بالعكس، أي: أنّه وصلتنا أخبار تدلّ على الحجّيّة أو تشير إليها أو قابلة للحمل عليها، وهذا كلّه ممّا يبعّد الشقّ الثاني، ويوجب القطع أو الاطمئنان بالشقّ الأوّل، وهو انعقاد سيرتهم على العمل بخبر الثقة.

وحاصل الكلام: أنّ مقتضى الطبع العقلائيّ الذي ليس واضحاً ـ على الأقلّ ـ في رفض خبر الثقة كما في التفاؤل والاستخارة إن لم يكن هو حجّيّة خبر الثقة، أو لم يكن أصحاب الأئمّة قد مشوا وفق الطبع، فالمتوقّع أن يكثر السؤال والجواب عن الحجّيّة، ويصلنا الجواب إمّا بالنفي كما وصلنا في بعض الأحاديث بالنسبة لخبر غير الثقة بألسنة مختلفة، ولذا لا نقول بحجّيّة خبر غير الثقة الظنّيّ، وإمّا بالإثبات كما هو الواقع بالنسبة لخبر الثقة، ولو لم يصلنا خبر يدلّ على حجّيّة خبر الثقة ولا على نفيها جعلنا ذلك دليلاً على أنّ سيرة العقلاء تكون بنحو يقتضي البناء على الحجّيّة، وهو الأمر الأوّل من الاُمور الثلاثة التي ادّعينا القطع بالجامع بينها، ولم نقطع بعدم الأوّل بل نحتمله على الأقلّ، فيتعيّن في هذا الفرض؛ إذ لولاه لكثر السؤال والجواب.

 

المقارنة بين بياننا للسيرة وبيان الأصحاب:

وهذا البيان الذي ذكرناه نحن هنا للتمسّك بالسيرة يختلف جوهريّاً عن البيان المألوف بين الأصحاب، وهو التمسّك ابتداء بالسيرة العقلائيّة غير المردوعة شرعاً، ولنذكر هنا ثمرتين تترتّبان على الفرق بين التقريبين:

الاُولى: أنّه قد يقال في مقام تدقيق النظر في قيام السيرة العقلائيّة على حجّيّة خبر الثقة بأنّ عمل العقلاء بخبر الثقة لم يثبت كونه بعنوان الحجّيّة، بل لعلّه تارةً