المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

493

وتقريب الاستدلال بهذه الآية هو كالوجه الثاني من وجوه تقريب الاستدلالبآية النفر، بأن يقال: إنّ آية الكتمان دلّت بإطلاقها على حرمة الكتمان، أي: وجوب الإظهار حتّى مع فرض عدم إيجابه للعلم، وهذا يدلّ بدلالة الاقتضاء على وجوب القبول عند الإظهار وحجّيّة كلامه، وإلّا للغى الإطلاق في كلام الحكيم.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ الكتمان ليس بمعنى عدم الإظهار، بل اُخذ في معناه التعمّد في الإخفاء، وعدم الإظهار، فلا يستفاد من الآية الشريفة وجوب الإظهار بما هو إظهار، كي تستنتج منها حجّيّة الإظهار ولو لم يفد العلم. ولعلّها بصدد بيان الحرمة النفسيّة لإخفاء الأحكام من الناس، وتبعيدهم عن الدين وشرائعه.

وثانياً: أنّه لا يبعد أن يكون المقصود ـ بقرينة قوله: ﴿مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾ ـ تحريم الكتمان بملاك تكذيب ما بيّنه الله تعالى، وذلك بأن يكون المقصود ـ بناءً على أنّ المراد بالكتاب هو القرآن ـ: أنّنا أنزلنا في القرآن أنّ هذه الرسالة مذكورة في التوراة والإنجيل، ويكون كتمان علماء اليهود والنصارى المدّعين للاطّلاع على التوراة والإنجيل الواقعيّين لذلك وإنكارهم للعلم به تكذيباً لكلامنا ورسالتنا، وذلك حرام عليهم بما هو تكذيب للرسالة الإلهيّة وكلام الله تعالى، بالإضافة إلى أنّ هذا التكذيب يوجب الوهن والضعف في دعوة الرسول(صلى الله عليه وآله)بالنسبة لبعض ضعفاء النفوس، ولا أقلّ من كون قوله: ﴿مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى﴾محتمل القرينيّة على المعنى الذي ذكرناه، فيوجب الإجمال.

وثالثاً: أنّ الظاهر من عنوان البيّنات والهدى هو ما يكون في ذاته بوضوحه وجلائه مقتضياً للعلم والهداية إلى دين الحقّ، وهو التبشير بهذه الرسالة بتلك العلامات الخاصّة المتواجدة في الكتب السابقة، والكتمان أثره إيجاد المانع عن تأثير هذا المقتضي الواضح بالنسبة لبعض ضعفاء النفوس، وتحريم الكتمان المانع عن تأثير المقتضي للعلم لا يدلّ على حجّيّة الإظهار كما لا يخفى.