الإطلاق المقاميّ والسكوت في مقام البيان ـ مثلاً ـ يدلّ على إمضاء الطريقة العرفيّة المتعارفة لاستكشاف المراد، لكن نفس الكلام لا يدلّ بظهوره اللفظيّ على أنّ تعيين المدلول والمراد بأيّ شيء يكون؟ وإنّما يدلّ على أنّ الشرط يجب أن لايكون مخالفاً لمدلول الكتاب. وعليه فتلك الأخبار التي يستدلّ بها الأخباريّون على أنّ تعيين المراد يكون بلحاظ الروايات لا بإعمال النظر لو تمّت دلالتها تكون حاكمة على هذه الطائفة، ومنقّحة لموضوعها، ومستوجبة لانحصار طريقة معرفة مدلول الكتاب بالروايات(1).
الطائفة الثالثة: هي الروايات الآمرة بعرض نفس أخبار الأئمّة(عليهم السلام)على
(1) هذا البيان لو تمّ أمكن إسراؤه إلى الطائفة الاُولى، فيقال: إنّ ما دلّ على الأمر بالأخذ بالكتاب قد يحمل على معنى الأخذ بما هو مراد من الكتاب. وروايات النهي عن التفسير بالرأي تنفي ثبوت كون ما يظهر من الكتاب ما لم نعرفه عن المعصومين مراداً من الكتاب، فتكون حاكمة على الروايات الدالّة على الأمر بالأخذ بالكتاب. وهذا لا ينافي العرضيّة المستفادة من بعض تلك الروايات بين الكتاب والسنّة كحديث الثقلين، فإنّه تكفي لانحفاظ العرضيّة نصوص الكتاب.
والصحيح: أنّ هذا البيان بحدّ ذاته غير تامّ بناءً على قبول دلالة الإطلاق المقاميّ على حجّيّة ظهور الكلام، فإنّ الذي يعارض روايات المنع عن التفسير بالرأي إنّما هو هذا الإطلاق المقاميّ، وهذا الإطلاق المقاميّ موضوعه هو ظهور الكتاب، وليس موضوعه هو المراد من الكتاب حتّى يكون ما ينفي ثبوت مراديّة الظهور حاكماً عليه بنفي موضوعه. فلا يقاس هذا الإطلاق ـ مثلاً ـ بإطلاق (أكرم العالم) الشامل لزيد العالم المحكوم لدليل ينفي تعبّداً عالميّة زيد، فإنّ هذا الإطلاق موضوعه العالم، والدليل الحاكم ينفي هذا الموضوع، بينما الأمر فيما نحن فيه ليس كذلك، ولعلّه لهذا لم يتعرّض اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في دورته الأخيرة لفكرة الحكومة في المقام بحسب ما يبدو من تقرير بحثه الذي ليس فيه تعرّض هنا للحكومة.