المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

214

والمعروف في دفع ذلك هو دعوى أنّ السيرة العقلائيّة لا تختصّ بفرض الظنّ بالوفاق، أو عدم الظنّ بالخلاف، بل تشمل الظهور الذي ليس على وفقه ظنّ، أو كان الظنّ بخلافه.

وتعمّق المحقّق النائينيّ(رحمه الله) في ذلك بأزيد من هذا المقدار من البيان فذكر: أنّ العقلاء يعملون بالظهور في مجالين: أحدهما في باب تحصيل أغراضهم الشخصيّة، والآخر في باب امتثال أمر المولى وتحصيل غرض المولى. وهناك فرق بين عملهم في المجالين، ففي المجال الأوّل لا يعملون بالظهور إلّا مع وجود الظنّ على طبقه. وفي المجال الثاني يعملون بالظهور حتّى مع الظنّ بالخلاف، وذلك من باب الاقتصار في المجال الثاني على أدنى مراتب الكشف، وهو مجرّد الظنّ النوعيّ، وعدم الاعتماد في المجال الأوّل إلّا على المرتبة القويّة من الكشف، وهي الظنّ الفعليّ(1).

أقول: إنّ تفطّنه(قدس سره) لوجود الفرق بين المجالين واشتراطه الظنّ الفعليّ في المجال الأوّل، وعدم مضرّيّة الظنّ بالخلاف في المجال الثاني في محلّه جدّاً، لكن تفسير ذلك على أساس الفرق في مرتبة الكشف المعتمد عليها، والاقتصار على


(1) الموجود في أجود التقريرات ـ ج 2، ص 94 و95 ـ هو التفصيل بين مقام الاحتجاج بين المولى والعبد ومقام كشف المرادات الواقعيّة، كما لو أراد تاجر تعيين الأسعار عن طريق مطالعة كتاب تاجر إلى تاجر آخر أخبره فيه بالأسعار، ففي الأوّل يكون الظهور حجّة حتّى ولو ظنّ بالخلاف؛ لصحّة احتجاج المولى على العبد وبالعكس بذلك، وفي الثاني يكون الأخذ بالظهور مقيّداً ـ على حدّ التعبير الذي جاء في أجود التقريرات ـ بأعلى مراتب الظنّ وهي مرتبة الاطمئنان. وكأنّ هذا التعبير هو الذي أوحى إلى ذهن اُستاذنا(رحمه الله) بأنّ نكتة الفرق بين المجالين في نظر المحقّق النائينيّ(رحمه الله) تعود إلى مدى درجة الكشف المطلوبة هنا وهناك، فأورد عليه بما أورد.