المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

18

إمكان مدلوله، ويكفي في الحجّيّة احتمال الصدق.

وأمّا الإشكالان الأخيران فلا محيص عنهما بناءً على المبنى المتعارف في الاُصول: من أنّ حجّيّة غير القطع يجب أن تكون بجعل من الشارع.

ولكنّنا نقول: إنّ دائرة حقّ المولويّة أوسع من دائرة الأحكام الواصلة بطريق القطع، وتشمل الأحكام الواصلة بالطريق الذي اتّخذه المولى عادة له في مقام إيصال أحكامه. ولا إشكال في أنّ ظهور الكلام من هذا القبيل، فيكون الظهور حجّة لا بمعنى جعل الحجّيّة له كي يتكلّم في إمكان ذلك واستحالته، بل بمعنى أنّ من حقّ المولى امتثال ظاهر كلامه، وعندئذ إذا فرضت دلالة ظاهر كلام المولى على جعل طريق وحكم ظاهريّ، فلا إشكال في أنّ بناء العقلاء على ترتيب أثر إمكان ذلك الحكم الظاهريّ والأخذ بظاهر كلام المولى؛ لأنّ الشكّ إنّما هو في إمكان مدلول ذلك الظاهر لا في حجّيّته، ويكون من قبيل مثال الأمر بإكرام العلماء مع احتمال استحالة وجوب إكرام العالم الفاسق(1).

بقي الكلام في تحقيق الحال فيما مضت: من وجوه استحالة الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ. وقد عرفت أنّها على قسمين؛ إذ بعضها يرجع إلى الإشكال من ناحية العقل النظريّ، وبعضها يرجع إلى الإشكال من ناحية العقل العمليّ.


(1) وبهذا يندفع الإشكال الأوّل أيضاً وهو إشكال عدم الثمرة.

وواقع الحال أنّنا بالنسبة لإمكان أصل الحكم الظاهريّ (بمعنى الحكم المختصّ بظرف الشكّ) في الجملة لسنا بحاجة إلى أصالة الإمكان؛ لأنّ الحكم الظاهريّ الأوّل في تسلسل الأحكام الظاهريّة ـ وهو حجّيّة الظهور ـ قطعيّ نأخذ به حتّى على مبنى القوم: من اختصاص الحجّيّة الذاتيّة بالقطع. وبعد ذلك يصبح دليل الأحكام الظاهريّة الاُخرى وبقاء الحكم الواقعيّ في ظرف الشكّ حالهما حال مثال الأمر بإكرام العلماء، أي: أنّ الشكّ يكون في المدلول لا في حجّيّة الدليل.