المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

147


لإبراز مورد تفيدنا سيرة المتشرّعة ما لم نكن نستفيده لو انحصر الأمر بسيرة العقلاء.

وتوضيح ذلك: إنّ لإثبات إمضاء السيرة العقلائيّة من قبل الشارع طريقين:

أحدهما: جعل السكوت دليلاً على الإمضاء ببرهان استحالة نقض الغرض.

والثاني: التمسّك بظهور حال الشارع بما هو ذومنصب وصاحب أغراض، ويكون سكوته مفوّتاً لأغراضه المنصبيّة، فظاهر حاله في السكوت هو الرضا، بل بالإمكان جعل ذلك الظهور ظهور حال له بما هو متكلّم فيقال: إنّ المتكلّم الذي جرى ديدنه على الاقتصار في مقام إيصال مرامه على ظواهر الكلام، وعدم الالتزام بالنصوص الصريحة، والإكثار من الاعتماد على الظهور، يكون ظاهر حاله بما هو متكلّم أنّه أراد من السامعين الاعتماد على ظواهر الكلام، فهذا الظهور بنفسه يصبح ظهوراً لفظيّاً بل من أقوى الظهورات اللفظيّة، ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا الظهور، سواء فرضناه ظهور حال للشارع بما هو شارع، أو ظهور حال له بما هو متكلّم لإثبات حجّيّة الظهور؛ لأنّه بنفسه ظهور. نعم، لو أمكننا إثبات حجّيّة هذا الظهور بالذات ثُمّ التعدّي من هذا الظهور إلى ظهورات اُخرى من باب دلالة هذا الظهور على حجّيّتها لم يكن به بأس. فلو أنّ أحداً أراد أن يعتمد في مقام إثبات حجّيّة الظهور على سكوت الشارع عن العمل بالظهور بدلالته الحاليّة المنصبيّة أو الكلاميّة على الحجّيّة لا بدلالته العقليّة ببرهان استحالة نقض الغرض، عجز عن التمسّك بحجّيّة الظهور بسيرة العقلاء؛ إذ كان عليه أن يثبت أوّلاً حجّيّة هذا الظهور بالذات، وهذا ليس طريقه عبارة عن الرجوع إلى السيرة العقلائيّة، فإنّ السيرة العقلائيّة بحاجة إلى إمضاء، والإمضاء يثبت ـ بحسب الفرض ـ بالسكوت عن طريق دلالته الحاليّة على الإمضاء، وحجّيّة هذه الدلالة هي محلّ البحث، وإنّما طريقه عبارة عن الرجوع إلى سيرة المتشرّعة بناءً على أنّ لسيرة المتشرّعة قدراً متيقّناً وهو الظهورات