الاستفتاءات



استفتاءات >

السؤال:

إنّي كثيراً مّا أسمع من المؤمنين ينقلون عن الفقهاء أنّ كلّ مكروه جائز، فإنّي لا أحصل على قناعة نفسيّة حول تجويز المكروه، فكيف يجوز ارتكاب المكروه؟

الجواب:

إنّك قد تنهى ابنك عن الدخول في البحر نهياً باتّاً خشية غرقه في الماء؛ لأنّه لا يعرف السباحة، وقد لاتنهاه نهياً باتّاً عن ذلك، ولكن ترجّح له عدم دخول الماء؛ ذلك لأنّك واثق بمعرفته للسباحة، ولا تخشى عليه الغرق ولكنّك تحتمل استبراده من دخول الماء، ولم يكن الاستبراد المحتمل قويّاً كي تمنعه أيضاً عن دخول الماء، فترخّصه في دخول الماء، ولكن ترجّح له عدم الدخول خشية استبراد مختصر، فهو إن دخل الماء لم يعصِ أوامرك؛ لأنّك لم تمنعه عن ذلك، ولكنّه في نفس الوقت فعل ما كان الأفضل تركه؛ لأ نّك رجّحت له عدم دخول الماء.
كان هذا مثلاً عُرفيّاً لتوضيح الفكرة. وأحكام الشريعة الإسلاميّة من هذا القبيل، فمنها ما يكون مشتملاً على نهي باتّ كما في شرب الخمر، ولعب القمار، وما إلى ذلك ممّا شخّصت الشريعة فيها مفسدة كبيرة فمنعتها منعاً باتّاً. وهذا هو الذي يسمّى بالحرام، ومنها ما لا يكون مشتملاً على نهي باتّ، ولكن الشريعة رجّحت تركه على إثر مفسدة مختصرة لم تكن تتطلّب النهي الباتّ، فرخّصت الشريعة في فعله، وفي نفس الوقت رجّحت الترك، وهذا ما سمّي بالمكروه، ويمثّل له بإخراج الصائم الدم المُضعف من بدنه أو استعماله للعطور وما إلى ذلك.