المولفات

المؤلفات > تزكية النفس

586

وأيضاً عن الصادق(عليه السلام): «لا تكوننّ دوّاراً في الأسواق، ولا تلِ دقائق الأشياء بنفسك؛ فإنّه لا ينبغي للمرء المسلم ذي الحسب والدين أن يلي شراء دقائق الأشياء بنفسه ما خلا ثلاثة أشياء، فإنّه ينبغي لذي الدين والحسب أن يليها بنفسه: العقار، والرقيق، والإبل»(1).

وأيضاً عن الصادق(عليه السلام) قال: «باشر كبار أُمورك بنفسك، وكلّ ما صغر منها إلى غيرك، فقيل: ضرب أيّ شيء؟ فقال: ضرب أشرية العقار وما أشبهها»(2).

والأمثلة في هذه الروايات مأخوذة من الوضع الاقتصادي لوقتئذ، وقسم منها صادق حتّى اليوم.

والمقصود من هذه الروايات: الندب إلى تخصيص مباشرة الأُمور بالكبار منها، كي لا تتعوّد النفس على الاهتمام بالسفاسف والصغار، حتّى لا تموت الهمم، ولا يضيق أُفق النفس. فإذا كانت تعاليم أهل البيت(عليهم السلام) في الأُمور الدنيويّة والشخصيّة هكذا، فما ظنّك بالاُمور المعنويّة والواقعيّة؟!

وكلّما انشغل اهتمام الشخص بالمطالب العالية التفت ولو عن طريق المقايسة إلى تفاهة الاُمور الدانية، وترفّع عنها كما قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام)في وصف المتّقين: «... عظُم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم...»(3).

ثمّ إنّ الهدف والهمّ كلّما كان أضيق وأخسّ، كان أسرع إلى التلاشي في ذهن صاحبه حينما يصبح في فهمه وتطلّعاته أكبر منه، أو إلى تحديد صاحبه وتجميده. وقد يبتلي على هذا الأساس ـ لو لم ينتقل إلى هدف أوسع ـ بخيبة أمل وباليأس أو الانحراف أحياناً، في حين أنّه لو كان الهدف هو رضا الله تعالى الذي لا يحدّه حدٌّ،


(1) وسائل الشيعة 17/73، الباب 25 من مقدمات التجارة، الحديث 2.

(2) من لا يحضره الفقيه 3/104، الحديث 425.

(3) نهج البلاغة: 410، خطبة المتقين، رقم الخطبة: 193.